واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا
واضرب لهم مثل الحياة الدنيا أي: واذكر لهم ما يشبهها في زهرتها، ونضارتها، وسرعة زوالها لئلا يطمئنوا بها، وليعكفوا عليها، ولا يضربوا عن الآخرة صفحا بالمرة. أو بين لهم صفتها العجيبة التي هي في الغرابة كالمثل. كماء استئناف لبيان المثل، أي: هي كماء. أنزلناه من السماء ويجوز كونه مفعولا ثانيا لـ "اضرب" على أنه بمعنى صير. فاختلط به اشتبك بسببه نبات [ ص: 225 ] الأرض فالتف، وخالط بعضه بعضا من كثرته وتكاثفه، أو نجع الماء في النبات حتى روى ورف، فمقتضى الظاهر حينئذ فاختلط بنبات الأرض، وإيثار ما عليه النظم الكريم عليه للمبالغة بالكثرة فإن كلا المختلطين موصوف بصفة صاحبه فأصبح ذلك النبات الملتف إثر بهجتها ورفيفها هشيما مهشوما مكسورا. تذروه الرياح تفرقه، وقرئ: (تذريه) من أذراه. وتذروه الريح وليس المشبه به نفس الماء بل هو الهيئة المنتزعة من الجملة، وهي حال النبات المنبت بالماء يكون أخضر وارفا، ثم هشيما تطيره الرياح كأن لم يغن بالأمس. وكان الله على كل شيء من الأشياء التي من جملتها الإنشاء والإفناء مقتدرا قادرا على الكمال.