فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا
فوربك إقسامه باسمه عزت أسماؤه مضافا إلى ضميره عليه السلام لتحقيق الأمر بالإشعار بعليته، وتفخيم شأنه صلى الله عليه وسلم، ورفع منزلته. لنحشرنهم أي: لنجمعن القائلين بالسوق إلى المحشر بعد ما أخرجناهم من الأرض أحياء، ففيه على أبلغ وجه وآكده، كأنه أمر واضح غني عن التصريح به، وإنما المحتاج إلى البيان ما بعد ذلك من الأهوال. إثبات للبعث بالطريق البرهاني والشياطين معطوف على الضمير المنصوب، أو مفعول معه. روي أن الكفرة يحشرون مع قرنائهم من الشياطين التي كانت تغويهم كل منهم مع شيطانه في سلسلة، وهذا وإن كان مختصا بهم لكن ساغ نسبته إلى الجنس باعتبار أنهم لما حشروا، وفيهم الكفرة مقرونين بالشياطين فقد حشروا معهم جميعا، كما ساغ نسبة القول المحكي إليه مع كون القائل بعض أفراده. ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ليرى السعداء ما نجاهم الله تعالى منه، فيزدادوا غبطة وسرورا، وينال الأشقياء ما ادخروا لمعادهم عدة، ويزدادوا غيظا من رجوع السعداء عنهم إلى دار الثواب، وشماتتهم بهم. والجثي جمع جاث من جثا إذا قعد على ركبتيه، وأصله "جثوو" بواوين فاستثقل اجتماعهما بعد ضمتين فكسرت الثاء للتخفيف، فانقلبت الواو الأولى ياء لسكونها، وانكسار ما قبلها، فاجتمعت واو وياء وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء وأدغمت فيها الياء الأولى، وكسرت الجيم إتباعا لما بعدها. وقرئ: بضمها ، ونصبه على الحالية من الضمير البارز، أي: لنحضرنهم حول جهنم جاثين على ركبهم لما يدهمهم من هول المطلع، أو لأنه من توابع التواقف للحساب قبل التواصل إلى الثواب والعقاب، فإن أهل الموقف جاثون كما ينطق به قوله تعالى: وترى كل أمة جاثية على ما هو المعتاد في مواقف التقاول، وإن كان المراد بالإنسان الكفرة، فلعلهم يساقون من الموقف إلى شاطئ جهنم جثاة إهانة بهم، أو لعجزهم عن القيام لما اعتراهم من الشدة.