إلا تذكرة لمن يخشى
وقوله تعالى : إلا تذكرة نصب على أنه مفعول له لأنزلنا ، لكن لا من حيث أنه معلل بالشقاء على معنى ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب بتبليغه إلا تذكرة . الآية ، كقولك : ما ضربتك للتأديب إلا إشفاقا ، لما أنه يجب في أمثاله أن يكون بين العلتين ملابسة بالسببية والمسببية حتما كما في المثال المذكور ، وفي قولك : ما شافهتك بالسوء لتتأذى إلا زجرا لغيرك ، فإن التأديب في الأول مسبب عن الإشفاق ، والتأذي في الثاني سبب لزجر [ ص: 4 ] الغير . وقد عرفت ما بين الشقاء والتذكرة من التنافي ، ولا يجدي أن يراد به التعب في الجملة المجامع للتذكرة لظهور أن لا ملابسة بينهما بما ذكر من السببية والمسببية ، وإنما يتصور ذلك أن لو قيل مكان "إلا تذكرة" : إلا تكثيرا لثوابك ، فإن الأجر بقدر التعب ، ولا من حيث أنه بدل من محل لتشقى كما في قوله تعالى : ما فعلوه إلا قليل لوجوب المجانسة بين البدلين ، وقد عرفت حالهما بل من حيث إنه معطوف عليه بحسب المعنى بعد نفيه بطريق الاستدارك المستفاد من الاستثناء المنقطع ، كأنه قيل : ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب في تبليغه ، ولكن تذكرة لمن يخشى . وقد جرد التذكرة عن اللام لكونها فعلا لفاعل الفعل المعلل ، أي : لمن من شأنه أن يخشى الله عز وعلا ويتأثر بالإنذار لرقة قلبه ولين عريكته ، أو لمن علم الله تعالى أنه يخشى بالتخويف ، وتخصيصا بهم مع عموم التذكرة والتبليغ لأنهم المنتفعون بها .