فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي
فرجع موسى إلى قومه عند رجوعه المعهود ، أي : بعد ما استوفى الأربعين وأخذ التوراة ، لا عقيب الإخبار بالفتنة فسببية ما قبل الفاء لما بعدها ، إنما هي باعتبار قيد الرجوع المستفاد من قوله تعالى : [ ص: 35 ] غضبان أسفا لا باعتبار نفسه وإن كانت داخلة عليه حقيقة ، فإن كون الرجوع بعد تمام الأربعين أمر مقرر مشهور ، لا يذهب الوهم إلى كونه عند الإخبار بالفتنة ، كما إذا قلت :شايعت الحجاج ودعوت لهم بالسلامة فرجعوا سالمين ، فإن أحدا لا يرتاب في أن المراد رجوعهم المعتاد لا رجوعهم إثر الدعاء ، وأن سببية الدعاء باعتبار وصف السلامة لا باعتبار نفس الرجوع . والآسف : الشديد الغضب ، وقيل : الحزين .
قال استئناف مبني على سؤال ناشئ من حكاية رجوعه ، كذلك كأنه قيل : فماذا فعل بهم ؟ فقيل : قال : يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا بأن يعطيكم التوراة فيها ما فيها من النور والهدى ، والهمزة لإنكار عدم الوعد ونفيه وتقرير وجوده على أبلغ وجه وآكده ، أي : وعدكم بحيث لا سبيل لكم إلى إنكاره . والفاء في قوله تعالى : أفطال عليكم العهد أي : الزمان للعطف على مقدر ، والهمزة لإنكار المعطوف ونفيه فقط ، أي : أوعدكم ذلك فطال زمان الإنجاز فأخطأتم بسبيه . أم أردتم أن يحل أي : يجب عليكم غضب شديد لا يقادر قدره كائن من ربكم أي : من مالك أمركم على الإطلاق .
فأخلفتم موعدي أي : وعدكم إياي بالثبات على ما أمرتكم به إلى أن أرجع من الميقات ، على إضافة المصدر إلى مفعوله للقصد إلى زيادة تقبيح حالهم ، فإن إخلافهم الوعد الجاري فيما بينهم وبينه عليه السلام من حيث إضافته إليه عليه السلام أشنع منه من حيث إضافته إليهم ، والفاء لترتيب ما بعدها على كل واحد من شقي الترديد على سبيل البدل ، كأنه قيل : أنسيتم الوعد بطول العهد فأخلفتموه خطأ ، أم أردتم حلول الغضب عليكم فأخلفتموه عمدا . وأما جعل الموعد مضافا إلى فاعله وحمل إخلافه على معنى وجدان الخلف فيه ، أي : فوجدتم الخلف في موعدي لكم بالعود بعد الأربعين ، فما لا يساعده السباق ولا السياق أصلا .