فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي
فأخرج أي السامري لهم للقائلين عجلا من تلك الحلي المذابة ، وتأخيره مع كونه مفعولا صريحا عن الجار والمجرور لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر مع ما فيه من نوع طول يخل تقديمه بتجاوب أطراف النظم الكريم ، فإن قوله تعالى : جسدا أي : جثة ذا دم ولحم ، أو جسدا من ذهب لا روح له بدل منه ، وقوله تعالى : له خوار أي : صوت عجل نعت له .
فقالوا أي : السامري ومن افتتن به أول ما رآه هذا إلهكم وإله موسى فنسي أي : غفل عنه وذهب يطلبه في الطور ، وهذا حكاية لنتيجة فتنة السامري فعلا وقولا من جهته تعالى قصدا إلى زيادة تقريرها ، ثم ترتيب الإنكار عليها لا من جهة القائلين ، وإلا لقيل : فأخرج لنا . والحمل على أن عدولهم إلى ضمير الغيبة لبيان أن الإخراج والقول المذكورين للكل لا للعابدة فقط ، خلاف الظاهر مع أنه مخل باعتذارهم ، فإن مخالفة بعضهم للسامري وعدم افتتانهم بتسويله مع كون الإخراج والخطاب لهم مما يهون مخالفته للمعتذرين ، فافتتانهم بعد ذلك أعظم جناية وأكثر شناعة ، وأما ما قيل من أن المعتذرين هم الذين لم يعبدوا العجل وأن نسبة الإخلاف إلى أنفسهم وهم برآء منه من قبيل قولهم : بنو فلان قتلوا فلانا ، مع أن القاتل واحد منهم ، كأنهم قالوا : ما وجد الإخلاف فيما بيننا بأمر كنا نملكه ، بل تمكنت الشبهة في قلوب العبدة حيث فعل السامري ما فعل فأخرج لهم ما أخرج وقال ما قال ، فلم نقدر على صرفهم عن ذلك ولم نفارقهم مخافة ازدياد الفتنة فيقضي بفساده سباق النظم الكريم وسياقه .