وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون
وله من في السماوات والأرض استئناف مقرر لما قبله من خلقه تعالى لجميع مخلوقاته على حكمة بالغة ونظام كامل ، وأنه تعالى يحق الحق ويزهق الباطل ، أي : له تعالى خاصة جميع المخلوقات خلقا وملكا وتدبيرا وتصرفا وإحياء وإماتة وتعذيبا وإثابة من غير أن يكون لأحد في ذلك دخل ما استقلالا أو استتباعا .
ومن عنده وهم الملائكة عليهم السلام ، عبر عنهم بذلك إثر ما عبر عنهم بمن في السموات تنـزيلا لهم لكرامتهم عليه عز وعلا ، وزلفاهم عنده منـزلة المقربين عند الملوك بطريق التمثيل ، وهو مبتدأ خبره لا يستكبرون عن عبادته أي : لا يتعظمون عنها ولا يعدون أنفسهم كبيرا .
ولا يستحسرون ولا يكلون ولا يعبون . وصيغة الاستفعال المنبئة عن المبالغة في الحسور للتنبيه على أن عباداتهم بثقلها ودوامها حقيقة بأن يستحسر منها ومع ذلك لا يستحسرون . "لا" لإفادة نفي المبالغة في الحسور مع ثبوت أصله في الجملة . كما أن نفي الظلامية في قوله تعالى : وما أنا بظلام للعبيد لإفادة كثرة الظلم المفروض تعلقه بالعبيد ، لا لإفادة نفي المبالغة في الظلم مع ثبوت أصل الظلم في الجملة . وقيل : "من عنده" معطوف على "من" الأولى ، وإفرادهم بالذكر مع دخولهم في من في السموات والأرض للتعظيم ، كما في قوله تعالى : وجبريل وميكال . فقوله تعالى : "لا يستكبرون" حينئذ حال من الثانية .