لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون
لو كان فيهما آلهة إلا الله إبطال لتعدد الإله بإقامة البرهان على انتفائه بل على استحالته ، وإيراد الجمع لوروده إثر إنكار اتخاذ الآلهة ، لا لأن للجمعية مدخلا في الاستدلال ، وكذا فرض كونها فيهما . و"إلا" بمعنى "غير" على أنها صفة لآلهة ، ولا مساغ للاستثناء لاستحالة شمول ما قبلها لما بعدها وإفضائه إلى فساد المعنى لدلالته حينئذ على أن الفساد لكونها فيهما بدونه تعالى ، ولا للرفع على البدل لأنه متفرع على الاستثناء ومشروط بأن يكون في كلام غير موجب ، أي : لو كان في السماوات والأرض آلهة غير الله كما هو اعتقادهم الباطل لفسدتا أي : لبطلتا بما فيهما جميعا ، وحيث انتفى التالي علم انتفاء المقدم قطعا بيان الملازمة أن الإلهية مستلزمة للقدرة على الاستبداد بالتصرف فيهما على الإطلاق تغييرا وتبديلا وإيجادا وإعداما وإحياء وإماتة ، فبقاؤهما على ما هما عليه إما بتأثير كل منها وهو محال لاستحالة وقوع المعلول المعين بعلل متعددة ، وإما بتأثير واحد منها ، فالبواقي بمعزل من الإلهية قطعا . واعلم أن جعل التالي فسادهما بعد وجودهما لما أنه اعتبر في المقدم تعدد الآلهة فيهما ، وإلا فالبرهان يقضي باستحالة التعدد على الإطلاق فإنه لو تعدد الإله فإن توافق الكل في المراد تطاردت عليه القدر ، وإن تخالفت [ ص: 62 ] تعاوقت فلا يوجد موجود أصلا وحيث انتفى التالي تعين انتفاء المقدم . والفاء في قوله تعالى : فسبحان الله لترتيب ما بعدها على ما قبلها من ثبوت الوحدانية بالبرهان ، أي : فسبحوه سبحانه اللائق به ونزهوه عما لا يليق به من الأمور التي من جملتها أن يكون له شريك في الألوهية ، وإيراد الجلالة في موضع الإضمار للإشعار بعلة الحكم ، فإن الألوهية مناط لجميع صفات كماله التي من جملتها تنـزهه تعالى عما لا يليق به ولتربية المهابة وإدخال الروعة .
وقوله تعالى : رب العرش صفة للاسم الجليل مؤكدة لتنـزهه عز وجل . عما يصفون متعلق بالتسبيح ، أي : فسبحوه عما يصفونه من أن يكون من دونه آلهة .