وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون
كما ينبئ عنه قوله تعالى : وأنزلنا من السماء ماء هو المطر ، أو الأنهار النازلة من [ ص: 128 ] الجنة ، قيل : هي خمسة أنهار : سيحون نهر الهند ، وجيحون نهر بلخ ، ودجلة والفرات نهر العراق ، والنيل نهر مصر ، أنزلها الله تعالى من عين واحدة من عيون الجنة فاستودعها الجبال وأجراها في الأرض وجعل فيها منافع للناس في فنون معايشهم . و"من" ابتدائية متعلقة بأنزلنا ، وتقديمها على المفعول الصريح لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر والعدول عن الإضمار لأن الإنزال لا يعتبر فيه عنوان كونها طرائق بل مجرد كونها جهة العلو . بقدر بتقدير لائق لاستجلاب منافعهم ودفع مضارهم ، أو بمقدار ما علمنا من حاجاتهم ومصالحهم .
فأسكناه في الأرض أي : جعلناه ثابتا قارا فيها . وإنا على ذهاب به أي : إزالته بالإفساد أو التصعيد أو التغوير بحيث يتعذر استنباطه . لقادرون كما كنا قادرين على إنزاله . وفي تنكير "ذهاب" إيماء إلى كثرة طرقه ومبالغة في الإبعاد به ، ولذلك جعل أبلغ من قوله تعالى : قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين .