لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير
لا تحسبن الذين كفروا لما بين حال من أطاعه صلى الله عليه وسلم وأشير إلى فوزه بالرحمة المطلقة المستتبعة لسعادة الدارين عقب ذلك ببيان حال من عصاه صلى الله عليه وسلم ومآل أمره في الدنيا والآخرة بعد بيان تناهيه في الفسق تكميلا لأمر الترغيب والترهيب والخطاب إما لكل أحد ممن يصلح له كائنا من كان ، وإما للرسول صلى الله عليه وسلم على منهاج قوله تعالى : ولا تكونن من المشركين ونظائره للإيذان بأن الحسبان المذكور من القبح والمحذورية بحيث ينهى عنه من يمتنع صدوره عنه ، فكيف بمن يمكن ذلك منه ؟ ومحل الموصول النصب على أنه مفعول أول للحسبان ، وقوله تعالى : معجزين ثانيهما . وقوله تعالى : في الأرض ظرف لمعجزين لكن لا لإفادة كون الإعجاز المنفي فيها لا في غيرها فإن ذلك مما لا يحتاج إلى البيان بل لإفادة شمول عدم الإعجاز بجميع أجزائها ، أي : لا تحسبنهم معجزين الله عز وجل عن إدراكهم وإهلاكهم في قطر من أقطار الأرض بما رحبت وإن هربوا منها كل مهرب . وقرئ : "لا يحسبن" بياء الغيبة على أن الفاعل كل أحد ، والمعنى كما ذكر ، أي : لا يحسبن أحد الكافرين معجزين له سبحانه في الأرض ، أو هو الموصول ، والمفعول الأول محذوف لكونه عبارة عن أنفسهم ، كأنه قيل : لا تحسبن الكافرين أنفسهم معجزين في الأرض ، وأما جعل "معجزين" مفعولا أول ، و"في الأرض" مفعولا ثانيا فبمعزل من المطابقة لمقتضى المقام ضرورة أن مصب الفائدة هو المفعول الثاني ولا فائدة في بيان كون المعجزين في الأرض ، وقد مر في قوله تعالى : إني جاعل في الأرض خليفة .
وقوله تعالى : ومأواهم النار معطوف على جملة النهي بتأويلها بجملة خبرية لأن المقصود بالنهي عن الحسبان تحقيق نفي الحسبان ، كأنه قيل : ليس الذين كفروا معجزين ومأواهم .. إلخ ، أو على جملة مقدرة وقعت تعليلا للنهي ، كأنه قيل : لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض فإنهم مدركون ومأواهم إلخ . وقيل : الجملة المقدرة بل هم مقهورون، فتدبر .
ولبئس المصير [ ص: 193 ] جواب لقسم مقدر ، والمخصوص بالذم محذوف ، أي : وبالله لبئس المصير هي ، أي : النار ، والحملة اعتراض تذييلي مقرر لما قبله . وفي إيراد النار بعنوان كونها مأوى ومصيرا لهم إثر نفي فوتهم بالهرب في الأرض كل مهرب من الجزالة ما لا غاية وراءه . فلله در شأن التنـزيل .