إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم
إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله استئناف جيء به في أواخر الأحكام السابقة تقريرا لها وتأكيدا لوجوب مراعاتها وتكميلا لها ببيان بعض آخر من جنسها ، وإنما ذكر الإيمان بالله ورسوله في حيز الصلة للموصول الواقع خبرا للمبتدأ مع تضمنه له قطعا تقريرا لما قبله وتمهيدا لما بعده وإيذانا بأنه حقيق بأن يجعل قرينا للإيمان بهما منتظما في سلكه ، فقوله تعالى : وإذا كانوا معه على أمر جامع إلخ معطوف على "آمنوا" داخل معه في حيز الصلة ، أي : إنما الكاملون في الإيمان الذين آمنوا بالله ورسوله عن صميم قلوبهم وأطاعوهما في جميع الأحكام التي من جملتها ما فصل من قبل من الأحكام المتعلقة بعامة أحوالهم المطردة في الوقوع وأحوالهم الواقعة بحسب الاتفاق كما إذا كانوا معه صلى الله عليه وسلم على أمر مهم يجب اجتماعهم في شأنه كالجمعة والأعياد والحروب وغيرها من الأمور الداعية إلى اجتماع أولي الآراء والتجارب ووصف الأمر بالجمع للمبالغة . وقرئ : "أمر جميع" .
لم يذهبوا أي : من المجمع مع كون ذلك الأمر مما لا يوجب حضورهم لا محالة كما عند إقامة الجمعة ولقاء العدو بل يسوغ التخلف عنه . حتى يستأذنوه صلى الله عليه وسلم في الذهاب لا على أن نفس الاستئذان غاية لعدم الذهاب بل الغاية هي الإذن المنوط برأيه صلى الله وعليه وسلم ، والاقتصار على ذكره لأنه الذي يتم من قبلهم وهو المعتبر في كمال الإيمان لا الإذن ولا الذهاب المترتب عليه ، واعتباره في ذلك لما أنه كالمصداق لصحته والمميز للمخلص فيه عن المنافق فإن ديدنه التسلل للفرار ، ولتعظيم ما في الذهاب بغير إذنه صلى الله عليه وسلم من الجناية وللتنبيه على ذلك عقب بقوله تعالى : إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فقضى بأن المستأذنين هم المؤمنون بالله ورسوله كما حكم في الأول بأن الكاملين في الإيمان هم الجامعون بين الإيمان بهما وبين الاستئذان ، وفي "أولئك" من تفخيم شأن المستأذنين ما لا يخفى .
فإذا استأذنوك بيان لما هو وظيفته صلى الله عليه وسلم في هذا الباب إثر بيان ما هو وظيفة المؤمنين ، وأن الإذن عند الاستئذان [ ص: 198 ] ليس بأمر محتوم بل هو مفوض إلى رأيه صلى الله عليه وسلم ، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، أي : بعد ما تحقق أن الكاملين في الإيمان هم المستأذنون ، فإذا استأذنوك لبعض شأنهم أي : لبعض أمرهم المهم وخطبهم الملم فأذن لمن شئت منهم لما علمت في ذلك من حكمة ومصلحة واستغفر لهم الله فإن الاستئذان وإن كان لعذر قوي لا يخلو عن شائبة تقديم أمر الدنيا على أمر الآخرة .
إن الله غفور مبالغ في مغفرة فرطات العباد رحيم مبالغ في إفاضة آثار الرحمة عليهم ، والجملة تعليل للمغفرة الموعودة في ضمن الأمر بالاستغفار لهم .