بل كذبوا بالساعة إضراب عن توبيخهم بحكاية جناياتهم السابقة ، وانتقال منه إلى توبيخهم بحكاية جناياتهم الأخرى للتخلص إلى بيان ما لهم في الآخرة بسببها من فنون العذاب بقوله تعالى : وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا إلخ أي : أعتدنا لهم نارا عظيمة شديدة الاشتعال شأنها كيت وكيت بسبب تكذيبهم بها على ما يشعر به وضع الموصول موضع ضميرهم ، أو لكل من كذب بها كائنا من كان وهم داخلون في زمرتهم دخولا أوليا . ووضع الساعة موضع ضميرها للمبالغة في التشنيع ومدار إعناد السعير لهم وإن لم يكن مجرد تكذيبهم بالساعة بل مع تكذيبهم بسائر ما جاء به الشريعة الشريفة ، لكن الساعة لما كانت هي العلة القريبة لدخولهم السعير أشير إلى سببية تكذيبها لدخولها ، وقيل : هو عطف على وقالوامال هذا .." إلخ على معنى : بل أتوا بأعجب من ذلك حيث كذبوا بالساعة وأنكروها ، والحال أنا قد اعتدنا لكل من كذب بها سعيرا ، فإن جراءتهم على التكذيب بها وعدم خوفهم مما أعد لمن كذب بها من أنواع العذاب أعجب من القول السابق . وقيل : هو متصل بما قبله من الجواب المبني على التحقيق المنبئ عن الوعد بالجنات في الآخرة ، مسوق لبيان أن ذلك لا يجدي نفعا ولا يحلى بطائل على طريقة قول من قال :
عوجوا لنعم فحيوا دمنة الدار ... ماذا تحيون من نؤي وأحجار
والمعنى : أنهم لا يؤمنون بالساعة فكيف يقتنعون بهذا الجواب وكيف يصدقون بتعجيل [ ص: 206 ] مثل ما وعدك في الآخرة ، وقيل : المعنى : بل كذبوا بها فقصرت أنظارهم على الحظوظ الدنيوية وظنوا أن الكرامة ليست إلا بالمال وجعلوا فقرك ذريعة إلى تكذيبك .