وإن ربك لهو العزيز الرحيم
وإن ربك لهو العزيز الغالب على كل ما يريده من الأمور التي من جملتها الانتقام من المكذبين الرحيم المبالغ في الرحمة ، ولذلك يمهلهم ولا يجعل عقوبتهم بعدم إيمانهم بعد مشاهدة هذه الآية العظيمة بطريق الوحي مع كمال استحقاقهم لذلك . هذا هو الذي يقتضيه جزالة النظم الكريم من مطلع السورة الكريمة إلى آخر القصص السبع بل إلى آخر السورة الكريمة اقتضاء بينا لا ريب فيه . وأما ما قيل من أن ضمير "أكثرهم" لأهل عصر فرعون من القبط وغيرهم ، وأن المعنى : وما كان أكثر أهل مصر مؤمنين حيث لم يؤمن منهم إلا آسية ، وحزقيل ، ومريم ابنة ياموشا التي [ ص: 247 ]
دلت على تابوت يوسف عليه السلام . وبنو إسرائيل بعد ما نجوا سألوا بقرة يعبدونها واتخذوا العجل ، وقالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فبمعزل من التحقيق ، كيف لا ومساق كل قصة من القصص الواردة في السورة الكريمة سوى قصة إبراهيم عليه السلام إنما هو لبيان حال طائفة معينة قد عتوا عن أمر ربهم وعصوا رسله عليهم الصلاة والسلام كما يفصح عنه تصدير القصص بتكذيبهم المرسلين بعد ما شاهدوا بأيديهم من الآيات العظام ما يوجب عليهم الإيمان ويزجرهم عن الكفر والعصيان ، وأصروا على ما هم عليه من التكذيب فعاقبهم الله تعالى لذلك بالعقوبة الدنيوية وقطع دابرهم بالكلية ، فكيف يمكن أن يخبر عنهم بعدم إيمان أكثرهم لا سيما بعد الإخبار بإهلاكهم وعد المؤمنين من جملتهم أولا وإخراجهم منها آخرا مع عدم مشاركتهم لهم في شيء ما حكي عنهم من الجنايات أصلا مما يوجب تنـزيه التنزيل عن أمثاله ، فتدبر .