وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين   
وورث سليمان داود  أي : النبوة والعلم ، أو الملك بأن قام مقامه في ذلك دون سائر بنيه وكانوا تسعة عشر . 
وقال  تشهيرا لنعمة الله تعالى وتنويها بها ودعاء للناس إلى التصديق بذكر المعجزات الباهرة التي أوتيها . يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء  المنطق في المتعارف كل لفظ يعبر به عما في الضمير مفردا كان أو مركبا ، وقد يطلق على كل ما يصوت به من المفرد والمؤلف المفيد وغير المفيد يقال : نطقت الحمامة وكل صنف من أصناف الطير يتفاهم أصواته ، والذي علمه سليمان عليه السلام من منطق الطير هو ما يفهم بعضه من بعض من معانيه وأغراضه . ويحكى أنه مر على بلبل في شجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه فقال لأصحابه : أتدرون ما يقول ؟ قالوا : الله ونبيه أعلم ، قال :  [ ص: 277 ] يقول : إذا أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء ، وصاحت فاختة فأخبر أنها تقول ليت الخلق لم يخلقوا ، وصاح طاوس فقال : يقول : كما تدين تدان ، وصاح هدهد فقال: يقول : استغفروا الله يا مذنبين ، وصاح طيطوى فقال : يقول : كل حي ميت وكل جديد بال ، وصاح خطاف فقال : يقول : قدموا خيرا تجدوه ، وصاح قمري فأخبر أنه يقول : سبحان ربي الأعلى ، وصاحت رخمة فقال : تقول : سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه ، وقال : الحدأة تقول : كل شيء هالك إلا الله ، والقطاة تقول : من سكت سلم ، والببغاء تقول : ويل لمن الدنيا همه ، والديك يقول : اذكروا الله يا غافلين ، والنسر يقول : يا ابن آدم عش ما شئت آخرك الموت ، والعقاب تقول : في البعد عن الناس أنس ، والضفدع يقول : سبحان ربي القدوس . وأراد عليه الصلاة والسلام بقوله : "علمنا" و "أوتينا" بالنون التي يقال لها نون الواحد المطاع بيان حاله وصفته من كونه ملكا مطاعا ، لكن لا تجبرا وتكبرا بل تمهيدا لما أراد منهم من حسن الطاعة والانقياد له في أوامره ونواهيه حيث كان على عزيمة المسير . وبقوله : من كل شيء كثرة ما أوتيه كما يقال : فلان يقصده كل أحد ويعلم كل شيء ، ويراد به : كثرة قصاده وغزارة علمه ، ومثله قوله تعالى : وأوتيت من كل شيء   . وقال  ابن عباس  رضي الله عنهما : كل ما يهمه من أمر الدنيا والآخرة . وقال  مقاتل   : يعني النبوة والملك وتسخير الجن والإنس والشياطين والريح . 
إن هذا  إشارة إلى ما ذكر من التعليم والإيتاء لهو الفضل  والإحسان من الله تعالى المبين  الواضح الذي لا يخفى على أحد ، أو إن هذا الفضل الذي أوتيه لهو الفضل المبين على أنه عليه الصلاة والسلام قاله على سبيل الشكر والمحمدة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" أي : أقول هذا القول شكرا لا فخرا ، ولعله عليه الصلاة والسلام رتب على كلامه ذلك دعوة الناس إلى الغزو ، فإن إخبارهم بإيتاء كل شيء من الأشياء التي من جملتها آلات الحرب وأسباب الغزو مما ينبئ عن ذلك . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					