وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون
فمعنى قوله تعالى : وحشر لسليمان جنوده جمع له عساكره من الجن والإنس والطير بمباشرة مخاطبيه فإنهم كانوا رؤساء مملكته وعظماء دولته من الثقلين وغيرهم بتعميم الناس للكل تغليبا ، وتقديم الجن على الإنس في البيان للمسارعة إلى الإيذان بكمال قوة ملكه وعزة سلطانه من أول الأمر لما أن الجن طائفة عانية وقبيلة طاغية ماردة بعيدة من الحشر والتسخير .
فهم يوزعون أي : يحبس أوائلهم على أواخرهم ، أي : يوقف سلاف العسكر حتى يلحقهم التوالي فيكونوا مجتمعين لا يتخلف منهم أحد وذلك للكثرة العظيمة ، ويجوز أن يكون ذلك لترتيب الصفوف كما هو المعتاد في العساكر ، وفيه إشعار بكمال مسارعتهم إلى السير وتخصيص حبس أوائلهم بالذكر دون سوق أواخرهم مع أن التلاحق يحصل بذلك أيضا لما أن أواخرهم غير قادرين على ما يقدر عليه أوائلهم من السير السريع ، وهذا إذا لم يكن سيرهم بتسيير الريح في الجو . روي أن معسكره عليه الصلاة والسلام كان مائة فرسخ ، في مائة خمسة وعشرون للجن ، وخمسة وعشرون للإنس ، وخمسة وعشرون للطير ، وخمسة وعشرون للوحش ، وكان له عليه الصلاة والسلام ألف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلثمائة منكوحة وسبعمائة سرية ، وقد نسجت له الجن بساطا من ذهب وإبريسم فرسخا في فرسخ وكان يوضع منبره في وسطه وهو من ذهب ، [ ص: 278 ] فيقعد عليه وحوله ستمائة ألف كرسي من ذهب وفضة فيقعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على كراسي الذهب والعلماء على كراسي الفضة وحولهم الناس وحول الناس الجن والشياطين وتظله الطير بأجنحتها حتى لا تقع عليه الشمس وترفع ريح الصبا البساط فتسير به مسيرة شهر . ويروى أنه كان يأمر الريح العاصف تحمله ويأمر الرخاء تسيره فأوحى الله تعالى إليه وهو يسير بين السماء والأرض إني قد زدت في ملكك لا يتكلم أحد بشيء إلا ألقته الريح في سمعك ، فيحكى أنه مر بحراث فقال : لقد أوتي آل داود ملكا عظيما فألقته الريح في أذنه ، فنزل ومشى إلى الحراث وقال : إنما مشيت إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه ، ثم قال : لتسبيحة واحدة يقبلها الله تعالى خير مما أوتي آل داود .