قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون
قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى إثر ما قص الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم قصص الأنبياء المذكورين عليهم الصلاة والسلام وأخبارهم الناطقة بكمال قدرته تعالى وعظم شأنه وبما خصهم به من الآيات القاهرة والمعجزات الباهرة الدالة على جلالة أقدارهم وصحة أخبارهم وبين على ألسنتهم حقية الإسلام والتوحيد وبطلان الكفر والإشراك وأن من اقتدى بهم فقد اهتدى ومن أعرض عنهم فقد تردى في مهاوي الردى ، وشرح صدره عليه الصلاة والسلام بما في تضاعيف تلك [ ص: 293 ] القصص من فنون المعارف الربانية ونور قلبه بأنوار الملكات السبحانية الفائضة من عالم القدس وقرر بذلك فحوى ما نطق به قوله عز وجل : وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم أمره عليه الصلاة والسلام بأن يحمده تعالى على ما أفاض عليه من تلك النعم التي لا مطمع وراءها لطامع ولا مطمح من دونها لطامح ويسلم على كافة الأنبياء الذين من جملتهم الذين قصت عليه أخبارهم التي هي من جملة المعارف التي أوجبت إليه عليه الصلاة والسلام أداء لحق تقدمهم واجتهادهم في الدين . وقيل : هو أمر للوط عليه السلام بأن يحمده تعالى على إهلاك كفرة قومه ويسلم على من اصطفاه بالعصمة عن الفواحش والنجاة عن الهلاك ولا يخفى بعده .
آلله خير أما يشركون أي : آلله الذي ذكرت شئونه العظيمة خير أم ما يشركونه به تعالى من الأصنام ومرجع الترديد إلى التعريض بتبكيت الكفرة من جهته تعالى وتسفيه آرائهم الركيكة والتهكم بهم ; إذ من البين أن ليس فيما أشركوه به تعالى شائبة خير ما حتى يمكن أن يوازن بينه وبين من لا خير إلا خيره ولا إله غيره . وقرئ : "تشركون" بالتاء الفوقانية بطريق تلوين الخطاب وتوجيهه إلى الكفرة وهو الأليق بما بعده من سياق النظم الكريم المبني على خطابهم ، وجعله من جملة القول المأمور به يأباه قوله تعالى : فأنبتنا ... إلخ فإنه صريح في أن التبكيت من قبله عز وجل بالذات ، وحمله على أنه حكاية منه عليه الصلاة والسلام لما أمر به بعبارته كما في قوله تعالى : قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ... تعسف ظاهر من غير داع إليه .