إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين
وقوله تعالى : إنك [ ص: 300 ] لا تسمع الموتى إلخ. تعليل آخر للتوكل الذي هو عبارة عن التبتل إلى الله تعالى وتفويض الأمر إليه والإعراض عن التشبث بما سواه ، وقد علل أولا بما يوجبه من جهته تعالى - أعني قضاءه بالحق وعزته وعلمه تعالى - ، وثانيا بما يوجبه من جهته عليه الصلاة والسلام على أحد الوجهين - أعني كونه عليه الصلاة والسلام على الحق - ومن جهته تعالى على الوجه الآخر - أعني إعانته تعالى وتأييده للمحق - ، ثم علل ثالثا بما يوجبه لكن لا بالذات بل بواسطة إيجابه للإعراض عن التشبث بما سواه تعالى ، فإن كونهم كالموتى والصم والعمي موجب لقطع الطمع عن مشايعتهم ومعاضدتهم رأسا وداع إلى تخصيص الاعتضاد به تعالى وهو المعني بالتوكل عليه تعالى ، وإنما شبهوا بالموتى لعدم تأثرهم بما يتلى عليهم من القوارع. وإطلاق الإسماع عن المفعول لبيان عدم سماعهم لشيء من المسموعات ، ولعل المراد تشبيه قلوبهم بالموتى فيما ذكر من عدم الشعور ، فإن القلب مشعر من المشاعر أشير إلى بطلانه بالمرة ثم بين بطلان مشعري الأذن والعين كما في قوله تعالى : لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها وإلا فبعد تشبيه أنفسهم بالموتى لا يظهر لتشبيههم بالصم والعمي مزيد مزية .
ولا تسمع الصم الدعاء أي : الدعوة إلى أمر من الأمور ، وتقييد النفي بقوله تعالى : إذا ولوا مدبرين لتكميل التشبيه وتأكيد النفي ، فإنهم مع صممهم عن الدعاء إلى الحق معرضون عن الداعي مولون على أدبارهم، ولا ريب في أن الأصم لا يسمع الدعاء مع كون الداعي بمقابلة صماخه قريبا منه فكيف إذا كان خلفه بعيدا منه . وقرئ : "ولا يسمع الصم الدعاء" .