ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير
ثم أورثنا الكتاب أي: قضينا بتوريثه منك، أو نورثه، والتعبير عنه بالماضي لتقرره [ ص: 153 ] وتحققه، وقيل: أورثناه من الأمم السالفة، أي: أخرناه عنهم وأعطيناه الذين اصطفينا من عبادنا وهم علماء الأمة من الصحابة، ومن بعدهم ممن يسير سيرتهم، أو الأمة بأسرهم، فإن الله تعالى اصطفاهم على سائر الأمم، وجعلهم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس واختصهم بكرامة الانتماء إلى أفضل رسله - عليهم الصلاة والسلام - وليس من ضرورة وراثة الكتاب مراعاته حق رعايته لقوله تعالى: فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب ... الآية، فمنهم ظالم لنفسه بالتقصير في العمل به، وهو المرجأ لأمر الله ومنهم مقتصد يعمل به في أغلب الأوقات، ولا يخلو من خلط السيئ ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله قيل: هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ، وقيل: هم المداومون على إقامة مواجبه علما وعملا وتعليما، وفي قوله: "بإذن الله" - أي: بتيسيره وتوفيقه - تنبية على عزة منال هذه الرتبة، وصعوبة مأخذها. وقيل: الظالم الجاهل، والمقتصد المتعلم، والسابق العالم. وقيل: الظالم المجرم، والمقتصد الذي خلط الصالح بالسيئ، والسابق الذي ترجحت حسناته بحيث صارت سيئاته مكفرة، وهو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وأما الذين سبقوا فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب، وأما المقتصد فأولئك يحاسبون حسابا يسيرا، وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك يحبسون في طول المحشر، ثم يتلقاهم الله تعالى برحمته".
وقد روي أن - رضي الله عنه - قال - وهو على المنبر - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عمر «سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له».
ذلك إشارة إلى السبق بالخيرات، وما فيه من معنى البعد - مع قرب العهد بالمشار إليه - للإشعار بعلو رتبته، وبعد منزلته في الشرف هو الفضل الكبير من الله - عز وجل - لا ينال إلا بتوفيقه تعالى.