أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم
أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى .. إلخ، مثل ضرب للمشرك والموحد توضيحا لحالهما، وتحقيقا لشأن مذهبهما، والفاء لترتيب ذلك على ما ظهر من سوء حالهم، وخرورهم في مهاوي الغرور، وركوبهم متن عشواء العتو والنفور، وعدم اهتدائهم في مسلك المحاجة إلى جهة يتوهم فيها رشد في الجملة، فإن تقدم الهمزة عليها صورة إنما هو لاقتضائها الصدارة، وأما بحسب المعنى؛ فالأمر بالعكس كما هو المشهور، حتى لو كان مكان الهمزة "هل" لقيل: فهل من يمشي مكبا... إلخ. والمكب الساقط على وجهه، يقال: أكب: خر على وجهه، وحقيقته: صار ذا كب، ودخل في الكب كـ"أقشع الغمام" أي: صار ذا قشع، والمعنى: أفمن يمشي وهو يعثر في كل ساعة، ويخر على وجهه في كل خطوة؛ لتوعر طريقه واختلال قواه، أهدى إلى المقصد الذي يؤمه أمن يمشي سويا أي: قائما سالما من الخبط والعثار على صراط مستقيم مستوي الأجزاء لا عوج فيه ولا انحراف، قيل: خبر من الثانية محذوف لدلالة خبر الأولى عليه، ولا حاجة إلى ذلك؛ فإن الثانية معطوفة على الأولى عطف المفرد على المفرد، كقولك: أزيد أفضل، أم عمرو، وقيل: أريد بالمكب الأعمى، وبالسوي البصير، وقيل: من يمشي مكبا هو الذي يحشر على وجهه إلى النار، ومن يمشي سويا الذي يحشر على قدميه إلى الجنة.