إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين
وقوله تعالى : إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك تعليل آخر لامتناعه عن المعارضة على أنه غرض متأخر عنه ، كما أن الأول باعث متقدم عليه ، وإنما لم يعطف عليه تنبيها على كفاية كل منهما في العلية ، والمعنى : إني أريد باستسلامي لك وامتناعي عن التعرض لك أن ترجع بإثمي ; أي : بمثل إثمي لو بسطت يدي إليك ، وبإثمك ببسط يدك إلي ، كما في قوله عليه السلام : " " ; أي : على البادئ عين إثم سبه ، ومثل سب صاحبه بحكم كونه سببا له . وقيل : معنى بإثمي : إثم قتلي ، ومعنى بإثمك : الذي لأجله لم يتقبل قربانك . وكلاهما نصب على الحالية ; أي : ترجع ملتبسا بالإثمين حاملا لهما ، ولعل مراده بالذات إنما هو عدم ملابسته للإثم لا ملابسة أخيه له . وقيل : المراد بالإثم : عقوبته ، ولا ريب في جواز إرادة عقوبة العاصي ممن علم أنه لا يرعوي عن المعصية أصلا ويأباه . المستبان ما قالا ، فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم
قوله تعالى : فتكون من أصحاب النار فإن كونه منهم إنما يترتب على رجوعه بالإثمين ، لا على ابتلائه بعقوبتهما .
وحمل العقوبة على نوع آخر يترتب عليها [ ص: 28 ] العقوبة النارية ، يرده قوله تعالى : وذلك جزاء الظالمين فإنه صريح في أن كونه من أصحاب النار تمام العقوبة وكمالها ، والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبلها ، ولقد سلك في صرفه عما نواه من الشر كل مسلك من العظة والتذكير ، بالترغيب تارة والترهيب أخرى ، فما أورثه ذلك إلا الإصرار على الغي والانهماك في الفساد .