قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون
قل لا يستوي الخبيث والطيب حكم عام في نفي المساواة عند الله تعالى بين الرديء من الأشخاص ، والأعمال ، والأموال ، وبين جيدها ، قصد به الترغيب في جيد كل منها ، والتحذير عن رديئها ، وإن كان سبب النزول شريح بن ضبعة البكري الذي مرت قصته في تفسير قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ... إلخ .
وقيل : نزل في رجل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الخمر كانت تجارتي ، وإني اعتقدت من بيعها مالا ، فهل ينفعني من ذلك المال إن عملت فيه بطاعة الله تعالى ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أنفقته في حج ، أو جهاد ، أو صدقة ، لم يعدل جناح بعوضة ، إن الله لا يقبل إلا الطيب " . وقال عطاء رضي الله عنهما : الخبيث والطيب : الحرام والحلال . والحسن
وتقديم الخبيث في الذكر للإشعار من أول الأمر بأن القصور الذي ينبئ عنه عدم الاستواء فيه لا في مقابله ، فإن مفهوم عدم الاستواء بين الشيئين المتفاوتين زيادة ونقصانا ، وإن جاز اعتباره بحسب زيادة الزائد ، لكن المتبادر اعتباره بحسب قصور القاصر ، كما في قوله تعالى : هل يستوي الأعمى والبصير إلى غير ذلك . وأما قوله تعالى : هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون فلعل تقديم الفاضل فيه لما أن صلته ملكة لصلة المفضول .
ولو أعجبك كثرة الخبيث ; أي : وإن سرك كثرته ، والخطاب لكل واحد من الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بخطابهم ، والواو لعطف الشرطية على مثلها المقدر ، وقيل : للحال وقد مر ; أي : لو لم تعجبك كثرة الخبيث ، ولو أعجبتك ، وكلتاهما في موقع الحال من فاعل " لا يستوي " ; أي : لا يستويان كائنين على كل حال مفروض ، كما في قولك : أحسن إلى فلان وإن أساء إليك ; أي : أحسن إليه إن لم يسئ إليك وإن أساء إليك ; أي : كائنا على كل حال مفروض ، وقد حذفت الأولى حذفا مطردا لدلالة الثانية عليها دلالة واضحة ، فإن الشيء إذا تحقق مع المعارض ، فلأن يتحقق بدونه أولى ، وعلى هذا السر يدور ما في " لو " و" إن " الوصليتين من المبالغة والتأكيد ، وجواب " لو " محذوف في الجملتين لدلالة ما قبلهما عليه ، وسيأتي تمام [ ص: 84 ] تحقيقه في مواقع عديدة بإذن الله عز وجل .
فاتقوا الله يا أولي الألباب ; أي : في تحري الخبيث وإن كثر ، وآثروا عليه الطيب وإن قل ، فإن مدار الاعتبار هو الجودة والرداءة ، لا الكثرة والقلة ; فالمحمود القليل خير من المذموم الكثير ، بل كلما كثر الخبيث كان أخبث .
لعلكم تفلحون راجين أن تنالوا الفلاح .