والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم
وقوله تعالى : والذين كذبوا بآياتنا متعلق بقوله تعالى : " ما فرطنا في الكتاب من شيء " ، والموصول عبارة عن المعهودين في قوله تعالى : ومنهم من يستمع إليك ... الآيات ، ومحله الرفع على الابتداء ، خبره ما بعده ; أي : أوردنا في القرآن جميع الأمور المهمة ، وأزحنا به العلل والأعذار .
والذين كذبوا بآياتنا [ ص: 132 ] التي هي منه .
صم لا يسمعونها سمع تدبر وفهم ; فلذلك يسمونها أساطير الأولين ، ولا يعدونها من الآيات ، ويقترحون غيرها .
وبكم لا يقدرون على أن ينطقوا بالحق ، ولذلك لا يستجيبون دعوتك بها .
وقوله تعالى : في الظلمات ; أي : في ظلمات الكفر ، أو ظلمات الجهل والعناد والتقليد ; إما خبر ثان للمبتدأ على أنه عبارة عن العمى ، كما في قوله تعالى : صم بكم عمي ، وإما متعلق بمحذوف وقع حالا من المستكن في الخبر ، كأنه قيل : ضالون كائنين في الظلمات ، أو صفة لبكم ; أي : بكم كائنون في الظلمات .
والمراد به : بيان كمال عراقتهم في الجهل وسوء الحال ، فإن الأصم الأبكم إذا كان بصيرا ربما يفهم شيئا بإشارة غيره ، وإن لم يفهمه بعبارته ، وكذا يشعر غيره بما في ضميره بالإشارة ، وإن كان معزولا عن العبارة ، وأما إذا كان مع ذلك أعمى ، أو كان في الظلمات ، فينسد عليه باب الفهم والتفهيم بالكلية .
وقوله تعالى : من يشأ الله يضلله تحقيق للحق ، وتقرير لما سبق من حالهم ، ببيان أنهم من أهل الطبع لا يتأتى منهم الإيمان أصلا ; فمن مبتدأ خبره ما بعده ، ومفعول المشيئة محذوف على القاعدة المستمرة من وقوعها شرطا ، وكون مفعولها مضمون الجزاء ، وانتفاء الغرابة في تعلقها به ; أي : من يشأ الله إضلاله ; أي : أن يخلق فيه الضلال يضلله ; أي : يخلقه فيه ، لكن لا ابتداء بطريق الجبر من غير أن يكون له دخل ما في ذلك ، بل عند صرف اختياره إلى كسبه وتحصيله .
وقس عليه قوله تعالى : ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم لا يضل من ذهب إليه ، ولا يزل من ثبت قدمه عليه .