وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون
ولذلك عقب بتوبيخ من أشرك به والرد عليه ، حيث قيل : وجعلوا لله شركاء ; أي : جعلوا في اعتقادهم لله الذي شأنه ما فصل في تضاعيف هذه الآيات الجليلة شركاء .
الجن ; أي : الملائكة ، حيث عبدوهم وقالوا : الملائكة بنات الله ، وسموا جنا لاجتنانهم تحقيرا لشأنهم بالنسبة إلى مقام الألوهية ، أو الشياطين حيث أطاعوهم كما أطاعوا الله تعالى ، أو عبدوا الأوثان بتسويلهم وتحريضهم ، أو قالوا : الله خالق الخير وكل نافع ، والشيطان خالق الشر وكل ضار ، كما هو رأي الثنوية .
ومفعولا " جعلوا " قوله تعالى : " شركاء الجن " ، قدم ثانيهما على الأول ، لاستعظام أن يتخذ الله سبحانه شريك ما ، كائنا ما كان ، ولله متعلق بشركاء ، قدم عليه للنكتة المذكورة .
وقيل : هما لله شركاء ، والجن بدل من شركاء مفسر له ، نص عليه الفراء وأبو إسحاق ، أو منصوب بمضمر وقع جوابا على سؤال مقدر ، نشأ من قوله تعالى : " وجعلوا لله شركاء " ، كأنه قيل : من جعلوه شركاء لله تعالى ؟ فقيل : الجن ; أي : جعلوا الجن ، ويؤيده قراءة أبي حيوة ويزيد بن قطيب : ( الجن ) بالرفع ، على تقديرهم الجن في جواب من قال : من الذين جعلوهم شركاء لله تعالى ، وقد قرئ بالجر على أن الإضافة للتبيين . [ ص: 168 ]
وخلقهم حال من فاعل جعلوا ، بتقدير قد أو بدونه على اختلاف الرأيين ، مؤكدة لما في جعلهم ذلك من كمال القباحة والبطلان ، باعتبار علمهم بمضمونها ; أي : وقد علموا أنه تعالى خالقهم خاصة .
وقيل : الضمير للشركاء ; أي : والحال أنه تعالى خلق الجن ، فكيف يجعلون مخلوقه شريكا له تعالى ، وقرئ : ( خلقهم ) عطفا على الجن ; أي : وما يخلقونه من الأصنام ، أو على شركاء ; أي : وجعلوا له اختلاقهم الإفك حيث نسبوه إليه تعالى .
وخرقوا له ; أي : افتعلوا وافتروا له ، يقال : خلق الإفك ، واختلقه ، وخرقه ، واخترقه بمعنى ، وقرئ : ( خرقوا ) بالتشديد للتكثير ، وقرئ : ( وحرفوا له ) ; أي : زوروا .
بنين وبنات فقالت اليهود : عزير ابن الله ، وقالت النصارى : المسيح ابن الله ، وقالت طائفة من العرب : الملائكة بنات الله .
بغير علم ; أي : بحقيقة ما قالوه من خطأ أو صواب ، بل رميا بقول عن عمى وجهالة من غير فكر وروية ، أو بغير علم بمرتبة ما قالوه ، وأنه من الشناعة والبطلان بحيث لا يقادر قدره ، والباء متعلقة بمحذوف هو حال من فاعل خرقوا ، أو نعت لمصدر مؤكد له ; أي : خرقوا ملتبسين بغير علم ، أو خرقا كائنا بغير علم .
سبحانه استئناف مسوق لتنزيهه عز وجل عما نسبوه إليه ، وسبحانه : علم للتسبيح الذي هو التبعيد عن السوء اعتقادا وقولا ; أي : اعتقاد البعد عنه والحكم به من سبح في الأرض والماء ، إذا أبعد فيهما وأمعن ، ومنه : فرس سبوح ; أي : واسع الجري ، وانتصابه على المصدرية ، ولا يكاد يذكر ناصبه ; أي : أسبح سبحانه ; أي : أنزهه عما لا يليق به عقدا وعملا ، تنزيها خاصا به حقيقا بشأنه ، وفيه مبالغة من جهة الاشتقاق من السبح ، ومن جهة النقل إلى التفعيل ، ومن جهة العدول عن المصدر الدال على الجنس إلى الاسم الموضوع له خاصة ، لا سيما العلم المشير إلى الحقيقة الحاضرة في الذهن ، ومن جهة إقامته مقام المصدر مع الفعل .
وقيل : هو مصدر كغفران ; لأنه سمع له فعل من الثلاثي كما ذكر في القاموس ، أريد به : التنزه التام والتباعد الكلي ، ففيه مبالغة من حيث إسناد التنزه إلى ذاته المقدسة ; أي : تنزه بذاته تنزها لائقا به ، وهو الأنسب بقوله سبحانه : وتعالى فإنه معطوف على الفعل المضمر لا محالة .
ولما في السبحان والتعالي من معنى التباعد ، قيل : عما يصفون ; أي : تباعد عما يصفونه من أن له شريكا أو ولدا .