تفسير سورة الروم
وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=treesubj&link=32450_29001nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=1الم nindex.php?page=treesubj&link=32449_29001nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2غلبت الروم nindex.php?page=treesubj&link=32449_34482_29001nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=3في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون nindex.php?page=treesubj&link=30455_32449_33679_29001nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون nindex.php?page=treesubj&link=28723_34092_29001nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=5بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم nindex.php?page=treesubj&link=32410_33678_29001nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=6وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون nindex.php?page=treesubj&link=32410_34310_29001nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=7يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون
(1-5) كانت
الفرس والروم في ذلك الوقت من أقوى دول الأرض، وكان يكون بينهما من الحروب والقتال ما يكون بين الدول المتوازنة.
وكانت
الفرس مشركين يعبدون النار، وكانت
الروم أهل كتاب ينتسبون إلى التوراة والإنجيل وهم أقرب إلى المسلمين من
الفرس، فكان المؤمنون يحبون غلبتهم وظهورهم على
الفرس، وكان المشركون -لاشتراكهم
والفرس في الشرك- يحبون ظهور
الفرس على
الروم، فظهر
الفرس على
الروم وغلبوهم غلبا لم يحط بملكهم بل بأدنى أرضهم، ففرح بذلك مشركو
مكة وحزن المسلمون، فأخبرهم الله ووعدهم أن
الروم ستغلب
الفرس. nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4في بضع سنين تسع أو ثمان ونحو ذلك مما لا يزيد على العشر، ولا ينقص عن الثلاث، وأن غلبة
الفرس للروم ثم غلبة
الروم للفرس كل ذلك بمشيئته وقدره ولهذا قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4لله الأمر من قبل ومن بعد فليس الغلبة والنصر لمجرد وجود الأسباب، وإنما هي لا بد أن يقترن بها القضاء والقدر.
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4ويومئذ أي: يوم يغلب
الروم الفرس ويقهرونهم
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4يفرح المؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=5بنصر الله ينصر من يشاء أي: يفرحون بانتصارهم على
الفرس وإن كان الجميع كفارا ولكن بعض الشر أهون من بعض ويحزن يومئذ المشركون.
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=5وهو العزيز الذي له العزة التي قهر بها الخلائق أجمعين يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء.
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=5الرحيم بعباده المؤمنين حيث قيض لهم من الأسباب التي تسعدهم وتنصرهم ما لا يدخل في الحساب.
[ ص: 1327 ] (6)
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=6وعد الله لا يخلف الله وعده فتيقنوا ذلك واجزموا به واعلموا أنه لا بد من وقوعه.
فلما نزلت هذه الآيات التي فيها هذا الوعد صدق بها المسلمون، وكفر بها المشركون حتى تراهن بعض المسلمين وبعض المشركين على مدة سنين عينوها، فلما جاء الأجل الذي ضربه الله انتصر
الروم على
الفرس وأجلوهم من بلادهم التي أخذوها منهم وتحقق وعد الله.
وهذا من الأمور الغيبية التي أخبر بها الله قبل وقوعها ووجدت في زمان من أخبرهم الله بها من المسلمين والمشركين.
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=6ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن ما وعد الله به حق فلذلك يوجد فريق منهم يكذبون بوعده، ويكذبون آياته.
(7) وهؤلاء الذين لا يعلمون أي: لا يعلمون بواطن الأشياء وعواقبها. وإنما
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=7يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا فينظرون إلى الأسباب ويجزمون بوقوع الأمر الذي في رأيهم انعقدت أسباب وجوده ويتيقنون عدم الأمر الذي لم يشاهدوا له من الأسباب المقتضية لوجوده شيئا، فهم واقفون مع الأسباب غير ناظرين إلى مسببها المتصرف فيها.
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=7وهم عن الآخرة هم غافلون : قد توجهت قلوبهم وأهواؤهم وإراداتهم إلى الدنيا وشهواتها وحطامها فعملت لها وسعت وأقبلت بها وأدبرت وغفلت عن الآخرة، فلا الجنة تشتاق إليها ولا النار تخافها وتخشاها، ولا المقام بين يدي الله ولقائه يروعها ويزعجها وهذا علامة الشقاء وعنوانه الغفلة عن الآخرة.
ومن العجب أن هذا القسم من الناس قد بلغت بكثير منهم الفطنة والذكاء في ظاهر الدنيا إلى أمر يحير العقول ويدهش الألباب، وأظهروا من العجائب الذرية والكهربائية والمراكب البرية والبحرية والهوائية ما فاقوا به وبرزوا وأعجبوا بعقولهم ورأوا غيرهم عاجزا عما أقدرهم الله عليه، فنظروا إليهم بعين الاحتقار والازدراء، وهم مع ذلك أبلد الناس في أمر دينهم وأشدهم غفلة عن آخرتهم وأقلهم معرفة بالعواقب، قد رآهم أهل البصائر النافذة في جهلهم يتخبطون، وفي ضلالهم يعمهون وفي باطلهم يترددون نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون، ثم نظروا إلى ما أعطاهم الله وأقدرهم عليه من الأفكار الدقيقة في الدنيا وظاهرها، وحرموا من العقل العالي فعرفوا أن الأمر لله والحكم له في عباده إن هو إلا توفيقه أو خذلانه فخافوا ربهم وسألوه أن يتم لهم ما وهبهم من نور العقول والإيمان حتى يصلوا إليه، ويحلوا بساحته. وهذه الأمور لو قارنها الإيمان
[ ص: 1328 ] وبنيت عليه لأثمرت الرقي العالي والحياة الطيبة، ولكنها لما بني كثير منها على الإلحاد لم تثمر إلا هبوط الأخلاق وأسباب الفناء والتدمير .
تَفْسِيرُ سُورَةِ الرُّومِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=treesubj&link=32450_29001nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=1الم nindex.php?page=treesubj&link=32449_29001nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2غُلِبَتِ الرُّومُ nindex.php?page=treesubj&link=32449_34482_29001nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=3فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ nindex.php?page=treesubj&link=30455_32449_33679_29001nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ nindex.php?page=treesubj&link=28723_34092_29001nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=5بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ nindex.php?page=treesubj&link=32410_33678_29001nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=6وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=treesubj&link=32410_34310_29001nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=7يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ
(1-5) كَانَتِ
الْفُرْسُ وَالرُّومُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ أَقْوَى دُوَلِ الْأَرْضِ، وَكَانَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مِنَ الْحُرُوبِ وَالْقِتَالِ مَا يَكُونُ بَيْنَ الدُّوَلِ الْمُتَوَازِنَةِ.
وَكَانَتِ
الْفُرْسُ مُشْرِكِينَ يَعْبُدُونَ النَّارَ، وَكَانَتِ
الرُّومُ أَهْلَ كِتَابٍ يَنْتَسِبُونَ إِلَى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَهُمْ أَقْرَبُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ مِنَ
الْفُرْسِ، فَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ يُحِبُّونَ غَلَبَتَهُمْ وَظُهُورَهُمْ عَلَى
الْفُرْسِ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ -لِاشْتِرَاكِهِمْ
وَالْفُرْسَ فِي الشِّرْكِ- يُحِبُّونَ ظُهُورَ
الْفُرْسِ عَلَى
الرُّومِ، فَظَهَرَ
الْفُرْسُ عَلَى
الرُّومِ وَغَلَبُوهُمْ غَلَبًا لَمْ يُحِطْ بِمُلْكِهِمْ بَلْ بِأَدْنَى أَرْضِهِمْ، فَفَرِحَ بِذَلِكَ مُشْرِكُو
مَكَّةَ وَحَزِنَ الْمُسْلِمُونَ، فَأَخْبَرَهُمُ اللَّهُ وَوَعَدَهُمْ أَنَّ
الرُّومَ سَتَغْلِبُ
الْفُرْسَ. nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4فِي بِضْعِ سِنِينَ تِسْعٍ أَوْ ثَمَانٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَزِيدُ عَلَى الْعَشْرِ، وَلَا يَنْقُصُ عَنِ الثَّلَاثِ، وَأَنَّ غَلَبَةَ
الْفُرْسِ لِلرُّومِ ثُمَّ غَلَبَةَ
الرُّومِ لِلْفُرْسِ كُلَّ ذَلِكَ بِمَشِيئَتِهِ وَقَدَرِهِ وَلِهَذَا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ فَلَيْسَ الْغَلَبَةُ وَالنَّصْرُ لِمُجَرَّدِ وُجُودِ الْأَسْبَابِ، وَإِنَّمَا هِيَ لَا بُدَّ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4وَيَوْمَئِذٍ أَيْ: يَوْمَ يَغْلِبُ
الرُّومُ الْفُرْسَ وَيَقْهَرُونَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=5بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ أَيْ: يَفْرَحُونَ بِانْتِصَارِهِمْ عَلَى
الْفُرْسِ وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ كُفَّارًا وَلَكِنَّ بَعْضَ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضٍ وَيَحْزَنُ يَوْمَئِذٍ الْمُشْرِكُونَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=5وَهُوَ الْعَزِيزُ الَّذِي لَهُ الْعِزَّةُ الَّتِي قَهَرَ بِهَا الْخَلَائِقَ أَجْمَعِينَ يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ وَيَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ يَشَاءُ وَيُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=5الرَّحِيمُ بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ حَيْثُ قَيَّضَ لَهُمْ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُسْعِدُهُمْ وَتَنْصُرُهُمْ مَا لَا يَدْخُلُ فِي الْحِسَابِ.
[ ص: 1327 ] (6)
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=6وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ فَتَيَقَّنُوا ذَلِكَ وَاجْزِمُوا بِهِ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ.
فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي فِيهَا هَذَا الْوَعْدُ صَدَّقَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ، وَكَفَرَ بِهَا الْمُشْرِكُونَ حَتَّى تَرَاهَنَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ وَبَعْضُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مُدَّةِ سِنِينَ عَيَّنُوهَا، فَلَمَّا جَاءَ الْأَجَلُ الَّذِي ضَرَبَهُ اللَّهُ انْتَصَرَ
الرُّومُ عَلَى
الْفُرْسِ وَأَجْلَوْهُمْ مِنْ بِلَادِهِمُ الَّتِي أَخَذُوهَا مِنْهُمْ وَتَحَقَّقَ وَعْدُ اللَّهِ.
وَهَذَا مِنَ الْأُمُورِ الْغَيْبِيَّةِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا اللَّهُ قَبْلَ وُقُوعِهَا وَوُجِدَتْ فِي زَمَانِ مَنْ أَخْبَرَهُمُ اللَّهُ بِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=6وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أَنَّ مَا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ حَقٌّ فَلِذَلِكَ يُوجَدُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يُكَذِّبُونَ بِوَعْدِهِ، وَيُكَذِّبُونَ آيَاتِهِ.
(7) وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ أَيْ: لَا يَعْلَمُونَ بَوَاطِنَ الْأَشْيَاءِ وَعَوَاقِبَهَا. وَإِنَّمَا
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=7يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَيَنْظُرُونَ إِلَى الْأَسْبَابِ وَيَجْزِمُونَ بِوُقُوعِ الْأَمْرِ الَّذِي فِي رَأْيِهِمِ انْعَقَدَتْ أَسْبَابُ وُجُودِهِ وَيَتَيَقَّنُونَ عَدَمَ الْأَمْرِ الَّذِي لَمْ يُشَاهِدُوا لَهُ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لِوُجُودِهِ شَيْئًا، فَهُمْ وَاقِفُونَ مَعَ الْأَسْبَابِ غَيْرِ نَاظِرِينَ إِلَى مُسَبِّبِهَا الْمُتَصَرِّفِ فِيهَا.
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=7وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ : قَدْ تَوَجَّهَتْ قُلُوبُهُمْ وَأَهْوَاؤُهُمْ وَإِرَادَاتُهُمْ إِلَى الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا وَحُطَامِهَا فَعَمِلَتْ لَهَا وَسَعَتْ وَأَقْبَلَتْ بِهَا وَأَدْبَرَتْ وَغَفَلَتْ عَنِ الْآخِرَةِ، فَلَا الْجَنَّةُ تَشْتَاقُ إِلَيْهَا وَلَا النَّارُ تَخَافُهَا وَتَخْشَاهَا، وَلَا الْمَقَامُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ يُرَوِّعُهَا وَيُزْعِجُهَا وَهَذَا عَلَامَةُ الشَّقَاءِ وَعُنْوَانُهُ الْغَفْلَةُ عَنِ الْآخِرَةِ.
وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ مِنَ النَّاسِ قَدْ بَلَغَتْ بِكَثِيرٍ مِنْهُمُ الْفِطْنَةُ وَالذَّكَاءُ فِي ظَاهِرِ الدُّنْيَا إِلَى أَمْرٍ يُحَيِّرُ الْعُقُولَ وَيُدْهِشُ الْأَلْبَابَ، وَأَظْهَرُوا مِنَ الْعَجَائِبِ الذَّرِّيَّةِ وَالْكَهْرَبَائِيَّةِ وَالْمَرَاكِبِ الْبَرِّيَّةِ وَالْبَحْرِيَّةِ وَالْهَوَائِيَّةِ مَا فَاقُوا بِهِ وَبَرَزُوا وَأُعْجِبُوا بِعُقُولِهِمْ وَرَأَوْا غَيْرَهُمْ عَاجِزًا عَمَّا أَقْدَرَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِمْ بِعَيْنِ الِاحْتِقَارِ وَالِازْدِرَاءِ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ أَبْلَدُ النَّاسِ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ وَأَشَدُّهُمْ غَفْلَةً عَنْ آخِرَتِهِمْ وَأَقَلُّهُمْ مَعْرِفَةً بِالْعَوَاقِبِ، قَدْ رَآهُمْ أَهْلُ الْبَصَائِرِ النَّافِذَةِ فِي جَهْلِهِمْ يَتَخَبَّطُونَ، وَفِي ضَلَالِهِمْ يَعْمَهُونَ وَفِي بَاطِلِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ، ثُمَّ نَظَرُوا إِلَى مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ وَأَقْدَرَهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْأَفْكَارِ الدَّقِيقَةِ فِي الدُّنْيَا وَظَاهِرِهَا، وَحُرِمُوا مِنَ الْعَقْلِ الْعَالِي فَعَرَفُوا أَنَّ الْأَمْرَ لِلَّهِ وَالْحُكْمَ لَهُ فِي عِبَادِهِ إِنْ هُوَ إِلَّا تَوْفِيقُهُ أَوْ خِذْلَانُهُ فَخَافُوا رَبَّهُمْ وَسَأَلُوهُ أَنْ يُتِمَّ لَهُمْ مَا وَهَبَهُمْ مِنْ نُورِ الْعُقُولِ وَالْإِيمَانِ حَتَّى يَصِلُوا إِلَيْهِ، وَيَحِلُّوا بِسَاحَتِهِ. وَهَذِهِ الْأُمُورُ لَوْ قَارَنَهَا الْإِيمَانُ
[ ص: 1328 ] وَبُنِيَتْ عَلَيْهِ لَأَثْمَرَتِ الرُّقِيَّ الْعَالِيَ وَالْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ، وَلَكِنَّهَا لَمَّا بُنِيَ كَثِيرٌ مِنْهَا عَلَى الْإِلْحَادِ لَمْ تُثْمِرْ إِلَّا هُبُوطَ الْأَخْلَاقِ وَأَسْبَابَ الْفَنَاءِ وَالتَّدْمِيرِ .