تفسير سورة النجم
وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى
[ ص: 1730 ] يقسم تعالى بالنجم عند هويه أي: سقوطه في الأفق في آخر الليل عند إدبار الليل وإقبال النهار، لأن في ذلك من آيات الله العظيمة، ما أوجب أن أقسم به، والصحيح أن النجم، اسم جنس شامل للنجوم كلها، وأقسم بالنجوم على صحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي الإلهي، لأن في ذلك مناسبة عجيبة، فإن الله تعالى جعل النجوم زينة للسماء، فكذلك الوحي وآثاره زينة للأرض، فلولا العلم الموروث عن الأنبياء، لكان الناس في ظلمة أشد من الليل البهيم.
والمقسم عليه، تنزيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن الضلال في علمه، والغي في قصده، ويلزم من ذلك أن يكون مهتديا في علمه، هاديا، حسن القصد، ناصحا للخلق بعكس ما عليه أهل الضلال من فساد العلم، وسوء القصد .
وقال صاحبكم لينبههم على ما يعرفونه منه، من الصدق والهداية، وأنه لا يخفى عليهم أمره، وما ينطق عن الهوى أي: ليس نطقه صادرا عن هوى نفسه
إن هو إلا وحي يوحى أي: لا يتبع إلا ما أوحى الله إليه من الهدى والتقوى، في نفسه وفي غيره.
ودل هذا على أن السنة وحي من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وأنه معصوم فيما يخبر به عن الله تعالى وعن شرعه، لأن كلامه لا يصدر عن هوى، وإنما يصدر عن وحي يوحى.
ثم ذكر المعلم للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو جبريل عليه السلام ، أفضل الملائكة الكرام وأقواهم وأكملهم، فقال: علمه شديد القوى أي: نزل بالوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام، شديد القوى أي: شديد القوة الظاهرة والباطنة، قوي على تنفيذ ما أمره الله بتنفيذه، قوي على إيصال الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنعه من اختلاس الشياطين له، أو إدخالهم فيه ما ليس منه، وهذا من حفظ الله لوحيه، أن أرسله مع هذا الرسول القوي الأمين.
ذو مرة أي: قوة، وخلق حسن، وجمال ظاهر وباطن.
فاستوى جبريل عليه السلام وهو بالأفق الأعلى أي: أفق السماء الذي هو أعلى من الأرض، [ ص: 1731 ] فهو من الأرواح العلوية، التي لا تنالها الشياطين ولا يتمكنون من الوصول إليها.
ثم دنا جبريل من النبي صلى الله عليه وسلم، لإيصال الوحي إليه. فتدلى عليه من الأفق الأعلى فكان في قربه منه قاب قوسين أي: قدر قوسين، والقوس معروف، أو أدنى أي: أقرب من القوسين، وهذا يدل على كمال المباشرة للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وأنه لا واسطة بينه وبين جبريل عليه السلام.
فأوحى الله بواسطة جبريل عليه السلام إلى عبده محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى أي: الذي أوحاه إليه من الشرع العظيم، والنبأ المستقيم.
ما كذب الفؤاد ما رأى أي: اتفق فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم ورؤيته على الوحي الذي أوحاه الله إليه، وتواطأ عليه سمعه وبصره وقلبه، وهذا دليل على كمال الوحي الذي أوحاه الله إليه، وأنه تلقاه منه تلقيا لا شك فيه ولا شبهة ولا ريب، فلم يكذب فؤاده ما رأى بصره، ولم يشك في ذلك. ويحتمل أن المراد بذلك ما رأى صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به، من آيات الله العظيمة، وأنه تيقنه حقا بقلبه ورؤيته، هذا هو الصحيح في تأويل الآية الكريمة، وقيل: إن المراد بذلك وتكليمه إياه، وهذا اختيار كثير من العلماء رحمهم الله، فأثبتوا بهذا رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا، ولكن الصحيح القول الأول، وأن المراد به رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء، جبريل عليه السلام، كما يدل عليه السياق، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته الأصلية التي هو عليها مرتين، مرة في الأفق الأعلى، تحت السماء الدنيا كما تقدم، والمرة الثانية فوق السماء السابعة ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال: ولقد رآه نزلة أخرى أي: رأى محمد جبريل مرة أخرى، نازلا إليه.
عند سدرة المنتهى وهي شجرة عظيمة جدا، فوق السماء السابعة، سميت سدرة المنتهى، لأنه ينتهي إليها ما يعرج من الأرض، وينزل إليها [ ص: 1732 ] ما ينزل من الله، من الوحي وغيره، أو لانتهاء علم المخلوقات إليها أي: لكونها فوق السماوات والأرض، فهي المنتهى في علوها أو لغير ذلك، والله أعلم.
فرأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل في ذلك المكان، الذي هو محل الأرواح العلوية الزاكية الجميلة، التي لا يقربها شيطان ولا غيره من الأرواح الخبيثة.
عند تلك الشجرة جنة المأوى أي: الجنة الجامعة لكل نعيم، بحيث كانت محلا تنتهي إليه الأماني، وترغب فيه الإرادات، وتأوي إليها الرغبات، وهذا دليل على أن . الجنة في أعلى الأماكن، وفوق السماء السابعة
إذ يغشى السدرة ما يغشى أي: يغشاها من أمر الله، شيء عظيم لا يعلم وصفه إلا الله عز وجل.
ما زاغ البصر أي: ما زاغ يمنة ولا يسرة عن مقصوده وما طغى أي: وما تجاوز البصر، وهذا كمال الأدب منه صلوات الله وسلامه عليه، أن قام مقاما أقامه الله فيه، ولم يقصر عنه ولا تجاوزه ولا حاد عنه،
وهذا أكمل ما يكون من الأدب العظيم، الذي فاق فيه الأولين والآخرين، فإن الإخلال يكون بأحد هذه الأمور: إما أن لا يقوم العبد بما أمر به، أو يقوم به على وجه التفريط، أو على وجه الإفراط، أو على وجه الحيدة يمينا وشمالا وهذه الأمور كلها منتفية عنه صلى الله عليه وسلم.
لقد رأى من آيات ربه الكبرى من الجنة والنار، وغير ذلك من الأمور التي رآها صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به.