الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      بعد ذلك يأخذ السياق في عرض طرف من تاريخ بني إسرائيل - اليهود - يتجلى فيه كيف أنهم ليسوا على شيء ; ويتبين معه ضرورة تبليغهم الدعوة ، ومخاطبتهم بالإسلام ، ليأووا منه إلى دين الله . ثم لتتبين حقيقتهم التي لم تتغير ; وتنكشف للمسلمين هذه الحقيقة ، فتسقط في أعينهم قيمة يهود ، وتنفر قلوبهم من الولاء لهم والتناصر معهم ، وهم على مثل هذه الحال في أمر الحق والدين :

                                                                                                                                                                                                                                      لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل ، وأرسلنا إليهم رسلا. كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم: فريقا كذبوا وفريقا يقتلون وحسبوا ألا تكون فتنة. فعموا وصموا، ثم تاب الله عليهم، ثم عموا وصموا - كثير منهم - والله بصير بما يعملون . .

                                                                                                                                                                                                                                      إنه تاريخ قديم ! فليس موقفهم من رسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم - بالأول ولا بالأخير ! إنهم مردوا على العصيان والإعراض ; ومردوا على النكول عن ميثاق الله ; ومردوا على اتخاذ هواهم إلههم لا [ ص: 943 ] دين الله ، ولا هدى الرسل ; ومردوا على الإثم والعدوان على دعاة الحق وحملة دعوة الله :

                                                                                                                                                                                                                                      لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا. كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون . .

                                                                                                                                                                                                                                      وسجل بني إسرائيل مع أنبيائهم حافل بالتكذيب والإعراض ; حافل بالقتل والاعتداء ! حافل بتحكيم الشهوات والأهواء .

                                                                                                                                                                                                                                      ولعله من أجل ذلك قص الله تاريخ بني إسرائيل على الأمة المسلمة في تفصيل وتطويل . . لعلها تتقي أن تكون كبني إسرائيل ; ولعلها تحذر مزالق الطريق ، أو لعل الواعين منها الموصولين بالله يدركون هذه المزالق ; أو يتأسون بأنبياء بني إسرائيل حين يصادفون ما صادفوا وأجيال من ذراري المسلمين تنتهي إلى ما انتهى إليه بنو إسرائيل ، حين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم فتحكم الهوى ; وترفض الهدى ، وتكذب فريقا من الدعاة إلى الحق ، وتقتل فريقا ; كما صنع بغاة بني إسرائيل ، في تاريخهم الطويل !

                                                                                                                                                                                                                                      لقد صنع بنو إسرائيل تلك الآثام كلها ; وهم يحسبون أن الله لن يفتنهم بالبلاء ، ولن يأخذهم بالعقاب . حسبوا هذا الحسبان غفلة منهم عن سنة الله ; وغرورا منهم بأنهم "شعب الله المختار " !

                                                                                                                                                                                                                                      وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا . .

                                                                                                                                                                                                                                      طمس الله على أبصارهم فلا يفقهون مما يرون شيئا ; وطمس على مسامعهم فلا يفيدون مما يسمعون شيئا . .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم تاب الله عليهم . .

                                                                                                                                                                                                                                      وأدركهم برحمته . . فلم يرعووا ولم ينتفعوا :

                                                                                                                                                                                                                                      ثم عموا وصموا. كثير منهم..

                                                                                                                                                                                                                                      والله بصير بما يعملون . .

                                                                                                                                                                                                                                      وهو مجازيهم بما يراه ويعلمه من أمرهم . . وما هم بمفلتين . .

                                                                                                                                                                                                                                      ويكفي أن يعرف الذين آمنوا هذا التاريخ القديم عن يهود ، وهذا الواقع الجديد لتنفر قلوبهم المؤمنة من ولائهم ، كما نفر قلب عبادة بن الصامت ; فلا يتولاهم إلا المنافقون من أمثال عبد الله بن أبي بن سلول !

                                                                                                                                                                                                                                      ذلك شأن اليهود من أهل الكتاب . . فأما شأن النصارى فيبينه السياق القرآني في حسم وتوكيد يتمشيان مع طبيعة السورة ; وطبيعة الموقف الذي تعالجه . .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية