الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وفي نهاية الشوط يربط السياق بين نواميس الكون في خلقه وتكوينه وتصريفه; ونواميس الحياة البشرية في طبيعتها ونهايتها ومصيرها:

                                                                                                                                                                                                                                      وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد. أفإن مت فهم الخالدون؟ كل نفس ذائقة الموت، ونبلوكم بالشر والخير فتنة، وإلينا ترجعون ..

                                                                                                                                                                                                                                      وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد. فكل حادث فهو فان. وكل ما له بدء فله نهاية. وإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يموت فهل هم يخلدون؟ وإذا كانوا لا يخلدون فما لهم لا يعلمون عمل أهل الموتى؟ وما لهم لا يتبصرون ولا يتدبرون؟

                                                                                                                                                                                                                                      كل نفس ذائقة الموت . هذا هو الناموس الذي يحكم الحياة. وهذه هي السنة التي ليس لها استثناء. فما أجدر الأحياء أن يحسبوا حساب هذا المذاق!

                                                                                                                                                                                                                                      إنه الموت نهاية كل حي، وعاقبة المطاف للرحلة القصيرة على الأرض. وإلى الله يرجع الجميع. فأما ما يصيب الإنسان في أثناء الرحلة من خير وشر فهو فتنة له وابتلاء:

                                                                                                                                                                                                                                      ونبلوكم بالشر والخير فتنة ..

                                                                                                                                                                                                                                      والابتلاء بالشر مفهوم أمره. ليتكشف مدى احتمال المبتلى، ومدى صبره على الضر، ومدى ثقته في ربه، ورجائه في رحمته.. فأما الابتلاء بالخير فهو في حاجة إلى بيان..

                                                                                                                                                                                                                                      إن الابتلاء بالخير أشد وطأة، وإن خيل للناس أنه دون الابتلاء بالشر..

                                                                                                                                                                                                                                      إن كثيرين يصمدون للابتلاء بالشر ولكن القلة القليلة هي التي تصمد للابتلاء بالخير.

                                                                                                                                                                                                                                      كثيرون يصبرون على الابتلاء بالمرض والضعف. ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الابتلاء بالصحة والقدرة. ويكبحون جماح القوة الهائجة في كيانهم الجامحة في أوصالهم.

                                                                                                                                                                                                                                      كثيرون يصبرون على الفقر والحرمان فلا تتهاوى نفوسهم ولا تذل. ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الثراء والوجدان. وما يغريان به من متاع، وما يثيرانه من شهوات وأطماع!

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 2378 ] كثيرون يصبرون على التعذيب والإيذاء فلا يخيفهم، ويصبرون على التهديد والوعيد فلا يرهبهم. ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الإغراء بالرغائب والمناصب والمتاع والثراء!

                                                                                                                                                                                                                                      كثيرون يصبرون على الكفاح والجراح; ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الدعة والمراح. ثم لا يصابون بالحرص الذي يذل أعناق الرجال. وبالاسترخاء الذي يقعد الهمم ويذلل الأرواح!

                                                                                                                                                                                                                                      إن الابتلاء بالشدة قد يثير الكبرياء، ويستحث المقاومة ويجند الأعصاب، فتكون القوى كلها معبأة لاستقبال الشدة والصمود لها. أما الرخاء فيرخي الأعصاب وينيمها ويفقدها القدرة على اليقظة والمقاومة!

                                                                                                                                                                                                                                      لذلك يجتاز الكثيرون مرحلة الشدة بنجاح، حتى إذا جاءهم الرخاء سقطوا في الابتلاء! وذلك شأن البشر.. إلا من عصم الله فكانوا ممن قال فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :

                                                                                                                                                                                                                                      "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" .. وهم قليل!

                                                                                                                                                                                                                                      فاليقظة للنفس في الابتلاء بالخير أولى من اليقظة لها في الابتلاء بالشر. والصلة بالله في الحالين هي وحدها الضمان..

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية