باب الأيام المعلومات
قال الله عز وجل : ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام [ ص: 67 ] فروي عن علي أن المعلومات يوم النحر ويومان بعده واذبح في أيها شئت ، قال وابن عمر : " المعلومات أيام النحر والمعدودات أيام التشريق " . وذكر ابن عمر عن شيخه الطحاوي أحمد بن أبي عمران عن بشر بن الوليد الكندي القاضي قال : كتب أبو العباس الطوسي إلى يسأله عن الأيام المعلومات ، فأملى علي أبي يوسف جواب كتابه : اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، فروي عن أبو يوسف علي أنها أيام النحر ، وإلى ذلك أذهب ؛ لأنه قال : وابن عمر على ما رزقهم من بهيمة الأنعام وذلك في أيام النحر ، وعن ابن عباس والحسن أن المعلومات أيام العشر والمعدودات أيام التشريق ، وروى وإبراهيم عن معمر مثل ذلك ، وروى قتادة عن ابن أبي ليلى الحكم عن مقسم عن في قوله تعالى : ابن عباس واذكروا الله في أيام معدودات يوم النحر وثلاثة أيام بعده ، وذكر أن أبو الحسن الكرخي أحمد القاري روى عن أن المعلومات العشر ، وعن أبي حنيفة محمد أنها أيام النحر الثلاثة يوم الأضحى ويومان بعده ، وذكر أن من قول الطحاوي أبي حنيفة وأبي يوسف أن المعلومات العشر والمعدودات أيام التشريق ، والذي رواه ومحمد أبو الحسن عنهم أصح .
وقد قيل إنه إنما قيل لأيام التشريق معدودات ؛ لأنها قليلة ، كما قال تعالى : وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وأنه سماها معدودة لقلتها . وقيل لأيام العشر معلومات حثا على علمها وحسابها من أجل أن وقت الحج في آخرها ، فكأنه أمرنا بمعرفة أول الشهر وطلب الهلال فيه حتى نعد عشرة ويكون آخرهن يوم النحر . ويحتج بذلك في أن تكبير التشريق مقصور على أيام العشر مفعول في يوم لأبي حنيفة عرفة ويوم النحر وهما من أيام العشر .
فإن قيل : لما قال : على ما رزقهم من بهيمة الأنعام دل على أن المراد أيام النحر كما روي عن . قيل له : يحتمل أن يريد لما رزقهم من بهيمة الأنعام ، كما قال : علي لتكبروا الله على ما هداكم ومعناه : لما هداكم ، وكما تقول : اشكر الله على نعمه ، ومعناه : لنعمه . وأيضا فيحتمل أن يريد به يوم النحر ويكون قوله تعالى : على ما رزقهم يريد به يوم النحر وبتكرار السنين عليه تصير أياما . وهذه الآية تدل على أن أفضل منه في غيرها وإن كانت من تطوع أو جزاء صيد أو غيره . واختلف أهل العلم في ذبح سائر الهدايا في أيام النحر ، فقال أصحابنا أيام النحر : " هو يوم النحر ويومان بعده " . وقال والثوري : " ثلاثة أيام بعده وهي أيام التشريق " . قال الشافعي : وروي نحو قولنا عن أبو بكر علي وابن عباس وابن عمر وأنس [ ص: 68 ] بن مالك وأبي هريرة وسعيد بن جبير . وروي مثل قول وسعيد بن المسيب عن الشافعي الحسن . وروي عن وعطاء أن النحر يومان . وقال إبراهيم النخعي : " النحر يوم واحد " . ابن سيرين
وروى عن يحيى بن أبي كثير أبي سلمة قالا : " الأضحى إلى هلال المحرم " . قال وسليمان بن يسار : قد ثبت عمن ذكرنا من الصحابة أنها ثلاثة واستفاض ذلك عنهم ، وغير جائز لمن بعدهم خلافهم ؛ إذ لم يرو عن أحد من نظرائهم خلافه فثبتت حجته . وأيضا فإن سبيل تقدير أيام النحر التوقيف أو الاتفاق ؛ إذ لا سبيل إليها من طريق المقاييس ، فلما قال من ذكرنا قوله من الصحابة بالثلاثة صار ذلك توقيفا ، كما قلنا في مقدار مدة الحيض وتقدير المهر ومقدار التشهد في إكمال فرض الصلاة وما جرى مجراها من المقادير التي طريق إثباتها التوقيف أو الاتفاق إذا قال به قائل من الصحابة ثبتت حجته وكان ذلك توقيفا . وأيضا قد ثبت الفرق بين أيام النحر وأيام التشريق ؛ لأنه لو كانت أيام النحر أيام التشريق لما كان بينهما فرق وكان ذكر أحد العددين ينوب عن الآخر ، فلما وجدنا الرمي في يوم النحر وأيام التشريق ووجدنا النحر في يوم النحر ، وقال قائلون : إلى آخر أيام التشريق ، وقلنا نحن : يومان بعده ، وجب أن نوجب فرقا بينهما ، لإثبات فائدة كل واحد من اللفظين وهو أن يكون من أيام التشريق ما ليس من أيام النحر وهو آخر أيامها . أبو بكر
واحتج من جعل النحر إلى آخر أيام التشريق بما روى عن سليمان بن موسى ابن أبي حسين عن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : جبير بن مطعم عرفات موقف وارتفعوا عن عرنة ، وكل مزدلفة موقف وارتفعوا عن محسر ، وكل فجاج مكة منحر وكل أيام التشريق ذبح ، وهذا حديث قد ذكر عن كل أنه سئل عن هذا الحديث فقال : لم يسمعه أحمد بن حنبل ابن أبي حسين من وأكثر روايته عن سهو . وقد قيل إن أصله ما رواه جبير بن مطعم مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج عن أبيه قال : سمعت يقول : سمعت أسامة بن زيد عبد الله بن أبي حسين يخبر عن عطاء بن أبي رباح يسمع قال : سمعت وعطاء يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جابر بن عبد الله عرفة موقف وكل منى منحر وكل فجاج مكة طريق ومنحر ، فهذا أصل الحديث ، ولم يذكر فيه : كل ، ويشبه أن يكون الحديث الذي ذكر فيه هذا اللفظ إنما هو من كلام وكل أيام التشريق ذبح أو من دونه ؛ لأنه لم يذكره . وأيضا لما ثبت أن النحر فيما يقع عليه اسم الأيام وكان أقل ما يتناوله اسم الأيام ثلاثة وجب أن يثبت الثلاثة ، وما زاد لم تقم عليه [ ص: 69 ] الدلالة فلم يثبت . جبير بن مطعم