فصل قال : وقد أنكرت طائفة شاذة لا تعد خلافا الرجم وهم أبو بكر الخوارج ، وبنقل الكافة والخبر الشائع المستفيض الذي لا مساغ للشك فيه وأجمعت الأمة عليه ، فروى الرجم وقد ثبت الرجم عن النبي صلى الله عليه وسلم بفعل النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعلي وجابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وبريدة الأسلمي وزيد بن خالد في آخرين من الصحابة ، وخطب فقال : " لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لأثبته في المصحف " . وبعض هؤلاء الرواة يروي خبر رجم عمر ماعز وبعضهم خبر الجهينية والغامدية .
وخبر ماعز يشتمل على أحكام : منها أنه ردده ثلاث مرات ثم لما أقر عنده الرابعة سأل عن صحة عقله فقال صلى الله عليه وسلم : فلما أبى إلا التصميم على الإقرار بصريح الزنا سأل عن إحصانه ، ثم لما هرب حين أدركته الحجارة قال : " هلا تركتموه " وفي ترديده ثلاث مرات ثم المسألة عن عقله بعد [ ص: 106 ] الرابعة دلالة على أن الحد لا يجب إلا بعد إقراره أربعا ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : هل به جنة ؟ فقالوا : لا ، وأنه استنكهه ثم قال له : لعلك لمست لعلك قبلت ؟ ، فلو كان الحد واجبا بإقراره مرة واحدة لسأل عنه في أول إقراره ، ومسألته جيرانه وأهله عن عقله يدل على أن تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب ومسألته عن الزنا كيف هو وما هو . على الإمام الاستثبات والاحتياط في الحد
وقوله : يفيد حكمين : لعلك لمست لعلك قبلت
أحدهما : أنه لا يقتصر على إقراره بالزنا دون استثباته في معنى الزنا حتى يبينه بصفة لا يختلف فيه أنه زنا ، وقوله : تلقين له لعلك لمست لعلك قبلت وأنه إنما أراد اللمس ، كما روي أنه قال للسارق : الرجوع عن الزنا ، ونظيره ما روي عن ما إخاله سرق أنه جيء بامرأة حبلى بالموسم وهي تبكي ، فقالوا : زنت ، فقال عمر : ما يبكيك ؟ فإن المرأة ربما استكرهت على نفسها يلقنها ذلك ، فأخبرت أن رجلا ركبها وهي نائمة ، فقال عمر : لو قتلت هذه لخشيت أن تدخل ما بين هذين الأخشبين النار ، فخلى سبيلها . وروي أن عمر قال عليا لشراحة حين أقرت عنده بالزنا : لعلك عصيت نفسك ؟ قالت : أتيت طائعة غير مكرهة ، فرجمها . وقوله صلى الله عليه وسلم : يدل على جواز رجوعه عن إقراره ؛ لأنه لما امتنع مما بذل نفسه له بديا قال : هلا تركتموه ، ولما لم يجلده دل على أن الرجم والجلد لا يجتمعان . هلا تركتموه