قوله تعالى : وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق قال : حدثنا قال : أخبرنا الحسن بن أبي الربيع قال : أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن عبيد في قوله : الحسن وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب قال : " جزأ داود الدهر أربعة أيام : يوما لنسائه ، ويوما لقضائه ، ويوما يخلو فيه لعبادة ربه ، ويوما لبني إسرائيل يسألونه " وذكر الحديث .
قال : وهذا يدل على أن أبو بكر وأنه جائز له الاقتصار على يوم من أربعة أيام ، ويدل على أنه القاضي لا يلزمه الجلوس للقضاء في كل يوم وأنه جائز له أن يقسم لها يوما من أربعة أيام . وقال لا يجب على الزوج الكون عند امرأته في كل يوم : المحراب صدر المجلس ، ومنه محراب المسجد ، وقيل : إن المحراب الغرفة وقوله تعالى : أبو عبيدة إذ تسوروا المحراب يدل على ذلك .
والخصم اسم يقع على الواحد وعلى الجماعة وإنما فزع منهم داود ؛ لأنهم دخلوا عليه في موضع صلاته على صورة الآدميين بغير إذن ، فقالوا : لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض ومعناه : أرأيت إن جاءك خصمان فقالا : بغى بعضنا على بعض ؟ وإنما كان فيه هذا الضمير ؛ لأنه معلوم أنهما كانا من الملائكة ولم يكن من بعضهم بغي على بعض والملائكة لا يجوز عليهم الكذب، فعلمنا أنهما كلماه بالمعاريض التي تخرجهما من الكذب مع تقريب المعنى بالمثل الذي ضرباه . وقولهما : إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة هو على معنى ما قدمنا من ضمير : أرأيت إن كان له تسع وتسعون نعجة ؟ وأراد بالنعاج النساء .
وقد قيل : إن داود كان له تسع وتسعون امرأة ، وأن أوريا بن حنان لم تكن له امرأة ، وقد خطب امرأة ، فخطبها داود مع علمه بأن أوريا خطبها ، وتزوجها . وكان فيه شيئان مما سبيل الأنبياء التنزه عنه :
أحدهما : خطبته على خطبة غيره ، والثاني : إظهار الحرص على التزويج مع كثرة من عنده من النساء ، ولم يكن عنده أن ذلك معصية ، فعاتبه الله تعالى عليها وكانت صغيرة ، وفطن حين خاطبه الملكان بأن الأولى كان به أن لا يخطب المرأة التي خطبها غيره ، وقوله ولي نعجة واحدة يعني : خطبت امرأة واحدة قد كان التراضي منا وقع بتزويجها .
وما روي في أخبار القصاص من أنه نظر إلى المرأة فرآها متجردة فهويها وقدم زوجها للقتل ، فإنه وجه لا يجوز على الأنبياء ؛ لأن ؛ إذ لا يدرون لعلها كبيرة تقطعهم عن ولاية الله [ ص: 255 ] تعالى وتدل على صحة التأويل الأول أنه قال : الأنبياء لا يأتون المعاصي مع العلم بأنها معاص وعزني في الخطاب فدل ذلك على أن الكلام إنما كان بينهما في الخطبة ولم يكن قد تقدم تزويج الآخر .
وقوله تعالى : فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط يدل على أن للخصم أن يخاطب الحاكم بمثله .
وقوله تعالى : لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه من غير أن يسأل الخصم عن ذلك يدل على أنه أخرج الكلام مخرج الحكاية والمثل على ما بينا ، وأن داود قد كان عرف ذلك من فحوى كلامه ، لولا ذلك لما حكم بظلمه قبل أن يسأل فيقر عنده أو تقوم عليه البينة به .
وقوله تعالى : وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض وهو يعني الشركاء يدل على أن . ويدل عليه أيضا قوله : العادة في أكثر الشركاء الظلم والبغي إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم قوله تعالى : وظن داود أنما فتناه يدل على أنه عليه السلام لم يقصد المعصية بديا وأن كلام الملكين أوقع له الظن بأنه قد أتى معصية وأن الله تعالى قد شدد عليه المحنة بها ؛ لأن الفتنة في هذا الموضع تشديد التعبد والمحنة ، فحينئذ علم أن ما أتاه كان معصية واستغفر منها وقوله تعالى : وخر راكعا وأناب روى أيوب عن عن عكرمة قال : ابن عباس . رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في ص وليست من العزائم
وروى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : سجدها سجدة ص داود توبة ونحن نسجدها شكرا . النبي صلى الله عليه وسلم قال في
وروى عن الزهري أنه رأى السائب بن يزيد سجد في " ص " . عمر
وروى عثمان مثله . وقال وابن عمر : قلت مجاهد : من أين أخذت سجدة " ص " ؟ قال : فتلا علي : لابن عباس أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده فكان داود سجد فيها فلذلك سجد فيها النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى عن مسروق أنه كان لا يسجد فيها ويقول : " هي توبة نبي " . ابن مسعود
وقول في رواية ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها اقتداء سعيد بن جبير بداود لقوله : فبهداهم اقتده يدل على أنه رأى فعلها واجبا ؛ لأن الأمر على الوجوب ، وهو خلاف رواية عنه أنها ليست من عزائم السجود . ولما سجد النبي صلى الله عليه وسلم فيها كما سجد في غيرها من مواضع السجود دل على أنه لا فرق بينها وبين سائر مواضع السجود . عكرمة
وأما قول عبد الله " إنها ليست بسجدة ؛ لأنها توبة نبي " فإن كثيرا من مواضع السجود إنما هو حكايات عن قوم مدحوا بالسجود نحو قوله تعالى : إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون وهو موضع السجود للناس بالاتفاق وقوله تعالى إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى [ ص: 256 ] عليهم يخرون للأذقان سجدا ونحوها من الآي التي فيها حكاية سجود قوم فكانت مواضع السجود ، وقوله وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون يقتضي لزوم فعله عند سماع القرآن فلو خلينا والظاهر أوجبناه في سائر القرآن فمتى اختلفنا في موضع منه فإن الظاهر يقتضي وجوب فعله إلا أن تقوم الدلالة على غيره وأجاز أصحابنا وذكر الركوع عن سجود التلاوة ، أنه قد روي في تأويل قوله تعالى : محمد بن الحسن وخر راكعا أن معناه خر ساجدا فعبر بالركوع عن السجود فجاز أن ينوب عنه ؛ إذ صار عبارة عنه .