قوله تعالى : إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي يحتمل وجهين . أحدهما : إني أحببت حب الخير الذي ينال بهذا الخيل فشغلت به عن ذكر ربي ، وهو الصلاة التي كان يفعلها في ذلك الوقت ، ويحتمل : إني أحببت حب الخير ، وهو يريد به الخيل نفسها فسماها خيرا لما ينال بها من الخير بالجهاد في سبيل الله وقتال أعدائه .
ويكون قوله عن ذكر ربي معناه أن ذلك من ذكري لربي وقيامي بحقه في اتخاذ هذا الخيل . قوله تعالى : حتى توارت بالحجاب روي عن " حتى توارت الشمس بالحجاب " قال ابن مسعود وهو كقول أبو بكر لبيد :
حتى إذا ألقت يدا في كافر وأجن عورات الثغور ظلامها
وكقول حاتمأماوي ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
وقوله تعالى ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق روي عن أنه جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبا لها وهذا كما حدثنا ابن عباس محمد بن بكر قال حدثنا قال حدثنا أبو داود هارون بن عبد الله قال حدثنا هشام بن سعيد الطالقاني قال أخبرنا محمد بن المهاجر قال حدثني عقيل بن شبيب عن أبي وهب الجشمي وكانت له صحبة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . ارتبطوا الخيل وامسحوا بنواصيها وأعجازها أو قال أكفالها وقلدوها ولا [ ص: 258 ] تقلدوها الأوتار
فجائز أن يكون سليمان إنما مسح أعرافها وعراقيبها على نحو ما ندب إليه نبينا صلى الله عليه وسلم وقد روي عن أنه كشف عراقيبها وضرب أعناقها وقال " لا تشغليني عن عبادة ربي مرة أخرى " . الحسن
والتأويل الأول أصح والثاني جائز ومن تأوله على الوجه الثاني يستدل به على إباحة ؛ إذ لم يكن ليتلفها بلا نفع ، وليس كذلك ؛ لأنه جائز أن يكون محرم الأكل وتعبد الله بإتلافه ، ويكون المنفعة في تنفيذ الأمر دون غيره . لحوم الخيل
ألا ترى أنه كان جائزا أن يميته الله تعالى ويمنع الناس من الانتفاع بأكله فكان جائزا أن يتعبد بإتلافه ويحظر الانتفاع بأكله بعده .