باب الأمر فيما يؤخذ من أموال البغاة
قال : اختلف أهل العلم في ذلك ، فقال أبو بكر محمد في الأصل : " لا يكون غنيمة ويستعان بكراعهم وسلاحهم على حربهم ، فإذا وضعت الحرب أوزارها رد المال عليهم ويرد الكراع أيضا عليهم إذا لم يبق من البغاة أحد ، وما استهلك فلا شيء فيه " وذكر إبراهيم بن الجراح عن قال : " ما وجد في أيدي أهل البغي من كراع أو سلاح فهو فيء يقسم ويخمس ، وإذا تابوا لم يؤخذوا بدم ولا مال استهلكوه " . أبي يوسف
وقال : " ما استهلكه مالك الخوارج [ ص: 283 ] من دم أو مال ثم تابوا لم يؤخذوا به ، وما كان قائما بعينه رد " ، وهو قول الأوزاعي . وقال والشافعي : " إذا قوتل اللصوص المحاربون فقتلوا وأخذ ما معهم فهو غنيمة لمن قاتلهم بعد إخراج الخمس إلا أن يكون شيء يعلم أنهم سرقوه من الناس " . الحسن بن صالح
قال : واختلفت الرواية عن أبو بكر - كرم الله وجهه - في ذلك ، فروى علي فطر بن خليفة عن منذر بن يعلى عن قال قسم أمير المؤمنين محمد ابن الحنفية رضي الله عنه يوم الجمل فيأهم بين أصحابه ما قوتل به من الكراع والسلاح " فاحتج من جعله غنيمة بهذا الحديث ، وهذا ليس فيه دلالة على أنه غنيمة ؛ لأنه جائز أن يكون قسم ما حصل في يده من كراع أو سلاح ليقاتلوا به قبل أن تضع الحرب أوزارها ولم يملكهم ذلك على ما قال علي محمد في الأصل .
وقد روى عن عكرمة بن عمار أبي زميل عن عبد الله بن الدولي عن أن ابن عباس الخوارج نقموا على رضي الله عنه أنه لم يسب ولم يغنم ، فحاجهم بأن قال لهم : " أفتسبون أمكم علي ثم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها ؟ فلئن فعلتم لقد كفرتم . " عائشة
وروى عن أبو معاوية الصلت بن بهرام عن أبي وائل قال : سألته أخمس رضي الله عنه أموال أهل الجمل ؟ قال : لا وقال علي : " وقعت الفتنة وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم متوافرون ، وأجمعوا أن كل دم أريق على وجه التأويل أو مال استهلك على وجه التأويل فلا ضمان فيه " . ويدل على أنه لا تغنم أموالهم التي ليست معهم مما تركوه في ديارهم لا تغنم ، وإن قتلوا ، كذلك ما معهم منها ، ألا ترى أن أهل الحرب لا يختلف فيما يغنم من أموالهم ما معهم ، وما تركوه منها في ديارهم أن ما حصل في أيدينا منها مغنوم ؟ وأنه لا خلاف أنه لا تسبى ذراريهم ونساؤهم ولا تملك رقابهم ؟ فكذلك لا تغنم أموالهم . الزهري
فإن قيل : مشركو العرب لا تملك رقابهم وتغنم أموالهم قيل له : لأنهم يقتلون إذا أسروا ، وإن لم يسلموا وتسبى ذراريهم ونساؤهم ، فلذلك غنمت أموالهم والخوارج إذا لم تبق لهم منعة لا يقتل أسراهم ولا تسبى ذراريهم بحال ، فكذلك لا تغنم أموالهم .