وقوله تعالى - : ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة الخصاصة الحاجة ؛ فأثنى الله عليهم بإيثارهم المهاجرين على أنفسهم فيما ينفقونه عليهم ، وإن كانوا هم محتاجين إليه فإن قيل : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال له : معي دينار فقال : ، وأن رجلا جاء ببيضة من ذهب فقال : يا رسول الله تصدق بهذه فإني ما أملك غيرها فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه من الشق الآخر فأعرض عنه ، إلى أن أعاد القول ، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم ورماه بها فلو أصابته لعقرته ، ثم قال : أنفقه على نفسك فقال : معي دينار آخر فقال : أنفقه على عيالك فقال : معي دينار آخر قال : تصدق به ، وأن رجلا دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب والرجل بحال بذاذة ، فحث النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة ، فطرح قوم ثيابا أو دراهم ، فأعطاه ثوبين ، ثم حثهم على الصدقة ، فطرح الرجل أحد ثوبيه ، فأنكره النبي صلى الله عليه وسلم . يأتيني أحدكم بجميع ما يملك فيتصدق به ثم يقعد يتكفف الناس إنما الصدقة عن ظهر غنى
ففي هذه الأخبار كراهة الإيثار على النفس والأمر بالإنفاق على النفس ثم الصدقة بالفضل قيل له : إنما كره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ؛ لأنه لم يثق منه بالصبر على الفقر وخشي أن يتعرض للمسألة إذا فقد ما ينفقه . ألا ترى أنه قال : ؟ فإنما كره الإيثار لمن كانت هذه حاله ، فأما الأنصار الذين أثنى الله عليهم بالإيثار على النفس فلم يكونوا بهذه [ ص: 325 ] الصفة بل كانوا كما قال الله - تعالى - : يأتيني أحدهم بجميع ما يملك فيتصدق به ثم يقعد يتكفف الناس والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس فكان الإيثار منهم أفضل من الإمساك ، . والإمساك ممن لا يصبر ويتعرض للمسألة أولى من الإيثار
وقد روى عن محارب بن دثار قال : أهدي لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس شاة ، فقال : إن فلانا وعياله أحوج إلى هذا منا فبعث به إليه ، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى تداولها تسعة أهل أبيات حتى رجعت إلى الأول ، فنزلت : ابن عمر ومن يوق شح نفسه الآية . وروى عن الأعمش عن جامع بن شداد قال : جاء رجل إلى الأسود بن هلال عبد الله فقال : يا أبا عبد الرحمن قد خفت أن تصيبني هذه الآية : ومن يوق شح نفسه فوالله ما أقدر على أن أعطي شيئا أطيق منعه فقال عبد الله : هذا البخل وبئس الشيء البخل ، ولكن الشح أن تأخذ مال أخيك بغير حق وروي عن في قوله تعالى - : سعيد بن جبير ومن يوق شح نفسه قال ادخار الحرام ومنع الزكاة " . آخر سورة الحشر .