وقوله تعالى : لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها فيه بيان أن الله لا يكلف أحدا ما لا يطيق ؛ وهذا وإن كان قد علم بالعقل ؛ إذ كان تكليف ما لا يطاق قبيحا وسفها فإن الله ذكره في الكتاب تأكيدا لحكمه في العقل ، وقد تضمن معنى آخر من جهة الحكم وهو الإخبار بأنه في هذه الحال ، وإذا لم يكلف الإنفاق في هذه الحال لم يجز التفريق بينه وبين امرأته لعجزه عن نفقتها ؛ وفي ذلك دليل على بطلان قول من فرق بين العاجز عن نفقة امرأته وبينها . إذا لم يقدر على النفقة لم يكلفه الله الإنفاق
فإن قيل فقد آتاه الطلاق فعليه أن يطلق قيل له : قد بين به أنه لم يكلفه النفقة في هذه الحال فلا يجوز إجباره على الطلاق من أجلها ؛ لأن فيه إيجاب التفريق بشيء لم يجب وأيضا فإنه أخبر أنه لم يكلفه من الإنفاق إلا ما آتاه ، والطلاق ليس من الإنفاق ، فلم يدخل في اللفظ وأيضا إنما أراد أنه لا يكلفه ما لا يطيق ولم يرد أنه يكلفه كل ما يطيق ؛ لأن ذلك مفهوم من خطاب الآية و قوله تعالى : سيجعل الله بعد عسر يسرا يدل على أنه لا يفرق بينهما من أجل عجزه عن النفقة ؛ لأن العسر يرجى له اليسر .
آخر سورة الطلاق .