وهذا هو معنى قوله (تعالى): ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ؛ على التأويل الذي ذكرنا؛ لأن معناه على هذا التأويل ألا يمنع بيمينه من فعل ما هو خير؛ بل يفعل الذي هو خير؛ ويدع يمينه؛ والوجه الثاني: أن يكون قوله: عرضة لأيمانكم ؛ يريد به كثرة الحلف؛ وهو ضرب من الجرأة على الله (تعالى)؛ وابتذال لاسمه في كل حق؛ وباطل؛ لأن تبروا في الحلف بها؛ وتتقوا المأثم فيها؛ وروي نحوه عن : "من أكثر ذكر شيء فقد جعله عرضة؛ يقول القائل: قد جعلتني عرضة للوم"؛ وقال الشاعر: عائشة
............... ... فلا تجعليني عرضة للوائم
وقد ذم الله (تعالى) مكثري الحلف بقوله: ولا تطع كل حلاف مهين ؛ فالمعنى: لا تعترضوا اسم الله (تعالى)؛ وتبذلوه في كل شيء; لأن تبروا إذا حلفتم؛ وتتقوا المأثم فيها إذا قلت أيمانكم؛ لأن كثرتها تبعد من البر والتقوى؛ [ ص: 43 ] وتقرب من المآثم؛ والجرأة على الله (تعالى)؛ فكأن المعنى: إن الله ينهاكم عن كثرة الأيمان؛ والجرأة على الله (تعالى)؛ لما في توقي ذلك من البر؛ والتقوى؛ والإصلاح؛ فتكونون بررة؛ أتقياء؛ لقوله: كنتم خير أمة أخرجت للناس ؛ وإذا كانت الآية محتملة للمعنيين؛ وليسا متضادين؛ فالواجب حملها عليهما جميعا؛ فتكون مفيدة لحظر ابتذاله اسم الله (تعالى)؛ واعتراضه باليمين في كل شيء؛ حقا كان أو باطلا؛ ويكون مع ذلك محظورا عليه أن يجعل يمينه عرضة مانعة من البر؛ والتقوى؛ والإصلاح؛ وإن لم يكثر؛ بل الواجب عليه ألا يكثر اليمين؛ ومتى حلف لم يحتجر بيمينه عن فعل ما حلف عليه؛ إذا كان طاعة؛ وبرا؛ وتقوى؛ وإصلاحا؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: . من حلف على يمين؛ فرأى غيرها خيرا منها؛ فليأت الذي هو خير؛ وليكفر عن يمينه