ذكر الاختلاف في خروج المعتدة من بيتها
قال أصحابنا: لا تنتقل المبتوتة؛ ولا المتوفى عنها زوجها؛ عن بيتها الذي كانت تسكنه؛ وتخرج المتوفى عنها زوجها بالنهار؛ ولا تبيت في غير منزلها؛ ولا تخرج المطلقة ليلا؛ ولا نهارا؛ إلا من عذر؛ وهو قول وقال الحسن؛ : لا تنتقل المطلقة المبتوتة؛ ولا الرجعية؛ ولا المتوفى عنها زوجها؛ ولا يخرجن بالنهار؛ ولا يبتن عن بيوتهن؛ وقال مالك : ولم يكن الإحداد في سكنى البيوت؛ فتسكن المتوفى عنها زوجها أي بيت كانت فيه؛ جيدا؛ أو رديا؛ وإنما الإحداد في الزينة. الشافعي
قال : أما المطلقة؛ فلقوله (تعالى): أبو بكر لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ؛ فحظر خروجها؛ وإخراجها؛ في العدة؛ إلا أن يأتين بفاحشة مبينة؛ وذلك ضرب من العذر؛ فأباح خروجها لعذر.
وقد اختلف في الفاحشة المذكورة في هذه الآية؛ وسنذكرها في موضعها إن شاء الله (تعالى)؛ وأما المتوفى عنها زوجها فإن الله (تعالى) قال - في العدة الأولى -: [ ص: 124 ] متاعا إلى الحول غير إخراج ؛ ثم نسخ منها ما زاد على الأربعة الأشهر؛ والعشر؛ فبقي حكم هذه العدة الثانية على ما كان عليه من ترك الخروج؛ إذ لم يرد لها نسخ؛ وإنما النسخ فيما زاد؛ وقد وردت السنة بمثل ما دل عليه الكتاب؛ حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا قال: حدثنا أبو داود عن عبد الله بن مسلمة القعنبي؛ ؛ عن مالك سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ؛ عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة ؛ الفريعة بنت مالك بن سنان؛ وهي أخت ؛ أخبرتها أنها جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تسأله أن ترجع إلى أهلها في أبي سعيد الخدري بني خدرة؛ فإن زوجها قتله عبد له: فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أرجع إلى أهلي؛ فإنه لم يتركني في مسكن يملكه؛ ولا نفقة؛ قالت: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم"؛ قالت: فخرجت؛ حتى إذا كنت في الحجرة؛ أو في المسجد؛ دعاني؛ فقال: "كيف قلت؟"؛ فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي؛ قالت: فقال: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله"؛ قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر؛ وعشرا؛ قالت: فلما كان أرسل إلي؛ وسألني عن ذلك؛ فأخبرته؛ فاتبعه؛ وقضى به عثمان ؛ وقد روي عن أن خلاف ذلك؛ حدثنا ابن عباس محمد بن بكر قال: حدثنا قال: حدثنا أبو داود أحمد بن محمد المروزي قال: حدثنا موسى بن مسعود قال: حدثنا شبل؛ عن قال: قال ابن أبي نجيح : قال عطاء : نسخت هذه الآية عدتها عند أهله؛ فتعتد حيث شاءت؛ وهو قول الله - عز وجل -: ابن عباس غير إخراج ؛ قال : إن شاءت اعتدت عند أهلها؛ وسكنت في منزلها؛ وإن شاءت خرجت؛ لقول الله (تعالى): عطاء فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن ؛ قال : ثم جاء الميراث؛ فنسخ السكنى؛ فتعتد حيث شاءت. عطاء
قال : ليس في إيجاب الميراث ما يوجب نسخ الكون في المنزل؛ وقد يجوز اجتماعهما؛ فليس في ثبوت أحدهما نفي الآخر؛ وقد ثبت ذلك أيضا بسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد نسخ الحول؛ وإيجاب الميراث; لأن عدة "الفريعة" كانت أربعة أشهر وعشرا؛ وقد نهاها النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النقلة؛ وما روينا من قصة "الفريعة" قد دل على معنيين؛ أحدهما لزوم السكون في المنزل الذي كانت تسكنه يوم الوفاة؛ والنهي عن النقلة؛ والثاني جواز الخروج؛ إذ لم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الخروج؛ ولو كان الخروج محظورا لنهاها عنه. أبو بكر
وقد روي مثل ذلك عن جماعة من السلف؛ منهم ؛ عبد الله بن مسعود ؛ وعمر ؛ وزيد بن ثابت ؛ وأم سلمة ؛ أنهم قالوا: المتوفى عنها زوجها تخرج بالنهار؛ ولا تبيت عن بيتها؛ وروى وعثمان ؛ عن عبد الرزاق ابن كثير ؛ عن قال: مجاهد استشهد رجال يوم أحد؛ فآمت نساؤهم؛ وكن متجاورات في دار؛ [ ص: 125 ] فأتين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلن: نبيت عند إحدانا؛ فقال: "تزاورن بالنهار؛ فإذا كان الليل فلتأو كل واحدة منكن إلى بيتها"؛ وروي عن جماعة من السلف أن المتوفى عنها زوجها تعتد حيث شاءت؛ منهم ؛ علي ؛ وابن عباس ؛ وجابر بن عبد الله . وعائشة
وما قدمنا من دليل الكتاب؛ والسنة؛ يوجب صحة القول الأول؛ فإن قيل: قال الله (تعالى): متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف ؛ فهذا يدل على أن لها أن تنتقل؛ قيل له: المعنى: فإذا خرجن بعد انقضاء العدة؛ كما قال في الآية الأخرى: فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن ؛ ويدل على أن المراد ما ذكرنا أنها لو خرجت قبل انقضاء العدة لم يكن لها أن تتزوج بالاتفاق؛ فدل ذلك على أن المراد: فإذا خرجن بعد انقضاء العدة؛ وإذا كان ذلك على ما وصفنا كان حظر الانتقال باقيا على المتوفى عنها زوجها؛ وإنما قالوا: إن المطلقة لا تخرج ليلا؛ ولا نهارا; لقوله (تعالى): لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن ؛ وذلك عموم في جميعهن؛ وحظر عن خروجهن في سائر الأوقات؛ وخالفت المتوفى عنها زوجها من جهة أن على نفسها؛ ونفقة المطلقة على زوجها؛ فهي مستغنية عن الخروج؛ والله أعلم. نفقة المتوفى عنها زوجها