قوله (تعالى): لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ؛ قيل في معنى البر ههنا وجهان؛ أحدهما: "الجنة"؛ وروي ذلك عن ؛ عمرو بن ميمون ؛ وقيل فيه: "البر بفعل الخير الذي يستحقون به الأجر"؛ والنفقة ههنا إخراج ما يحبه في سبيل الله (تعالى)؛ من صدقة أو غيرها؛ وروى والسدي ؛ عن يزيد بن هارون حميد؛ عن قال: لما نزلت: أنس لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ؛ و من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ؛ : يا رسول الله; حائطي الذي بمكان كذا وكذا لله (تعالى)؛ ولو استطعت أن أسره ما أعلنته؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اجعله في قرابتك"؛ أو: "في أقربائك"؛ أبو طلحة وروى قال عن يزيد بن هارون محمد بن عمرو ؛ عن أبي عمر بن حماس؛ عن حمزة بن عبد الله ؛ عن قال: "خطرت هذه الآية: عبد الله بن عمر لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ؛ فتذكرت ما أعطاني الله؛ فلم أجد شيئا أحب إلي من جاريتي أميمة ؛ فقلت: هي حرة لوجه الله؛ فلولا أن أعود في شيء فعلته لله لنكحتها؛ فأنكحتها ؛ وهي أم ولده"؛ حدثنا نافعا عبد الله بن محمد بن إسحاق قال: حدثنا قال: حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر أيوب؛ وغيره؛ أنها حين نزلت: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ؛ جاء بفرس له كان يحبها؛ فقال: يا رسول الله; هذه في سبيل الله؛ فحمل النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها زيد بن حارثة أسامة بن [ ص: 301 ] زيد؛ فكأن زيدا وجد في نفسه؛ فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك منه قال: "أما الله (تعالى) فقد قبلها"؛ وروي عن أنه قال: هو الزكاة الواجبة؛ وما فرض الله (تعالى) في الأموال. الحسن
قال : عتق أبو بكر للجارية على تأويل الآية يدل على أنه رأى كل ما أخرج على وجه القربة إلى الله فهو من النفقة المرادة بالآية؛ ويدل على أن ذلك كان عنده عاما في الفروض؛ والنوافل؛ وكذلك فعل ابن عمر أبي طلحة ؛ ؛ يدل على أنهم لم يروا ذلك مقصورا على الفرض؛ دون النفل؛ ويكون حينئذ معنى قوله (تعالى): وزيد بن حارثة لن تنالوا البر ؛ على أنكم لن تنالوا البر الذي هو في أعلى منازل القرب؛ حتى تنفقوا مما تحبون؛ على وجه المبالغة في الترغيب فيه; لأن الإنفاق مما يحب يدل على صدق نيته؛ كما قال (تعالى): لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ؛ وقد يجوز إطلاق مثله في اللغة؛ وإن لم يرد به نفي الأصل؛ وإنما يريد به نفي الكمال؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فأطلق ذلك على وجه المبالغة في الوصف له بالمسكنة؛ لا على نفي المسكنة عن غيره على الحقيقة. "ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان؛ والتمرة والتمرتان؛ ولكن المسكين الذي لا يجد ما ينفق؛ ولا يفطن له؛ فيتصدق عليه"؛