قوله عز وجل : وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا .
قال : ذكر أبو بكر أن الإفضاء هو الخلوة وإن لم يقع دخول . وقول الفراء حجة فيما يحكيه من اللغة ، فإذا كان اسم الإفضاء يقع على الخلوة فقد منعت [ ص: 49 ] الآية أن يأخذ منها شيئا بعد الخلوة والطلاق ؛ لأن قوله تعالى : الفراء وإن أردتم استبدال زوج قد أفاد الفرقة والطلاق ، والإفضاء مأخوذ من الفضاء ، وهو المكان الذي ليس فيه بناء حاجز عن إدراك ما فيه ، فسميت الخلوة إفضاء لزوال المانع من الوطء والدخول . ومن الناس من يقول : إن الفضاء السعة ، وأفضى : إذا صار في المتسع مما يقصده . وجائز على هذا الوضع أيضا أن تسمى الخلوة إفضاء لوصوله بها إلى مكان الوطء واتساع ذلك بالخلوة ، وقد كان يضيق عليه الوصول إليها قبل الخلوة ، فسميت الخلوة إفضاء لهذا المعنى ، فأخبر تعالى أنه غير جائز له أخذ شيء مما أعطاها مع إفضاء بعضهم إلى بعض ، وهو الوصول إلى مكان الوطء وبذلها ذلك له وتمكينها إياه من الوصول إليها . فظاهر هذه الآية ؛ لأن قوله تعالى : يمنع الزوج أخذ شيء مما أعطاها إذا كان النشوز من قبله وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج يدل على أن الزوج هو المريد للفرقة دونها ، ولذلك قال أصحابنا : إن النشوز إذا كان من قبله يكره له أن يأخذ شيئا من مهرها ، وإذا كان من قبلها فجائز له ذلك لقوله تعالى : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فقيل عن : إن الفاحشة هي النشوز ، وقال غيره : " هي الزنا " . ابن عباس
و لقوله تعالى : فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ومن الناس من يقول إنها منسوخة بقوله : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وذلك غلط ؛ لأن قوله تعالى : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج قد أفاد حال كون النشوز من قبله ، وقوله تعالى : إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله إنما فيه ذكر حال أخرى غير الأولى ، وهي الحال التي يكون النشوز منها وافتدت فيها المرأة منه ، فهذه حال غير تلك وكل واحدة من الحالين مخصوصة بحكم دون الأخرى .