قوله تعالى : [ ص: 127 ] يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا
التخفيف هو وهو خلاف التثقيل وهو نظير قوله تعالى : تسهيل التكليف ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم وقوله تعالى : يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وقوله تعالى : وما جعل عليكم في الدين من حرج وقوله تعالى : ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ؛ فنفى الضيق والثقل والحرج عنا في هذه الآيات .
ونظيره قول النبي صلى الله عليه وسلم : وذلك لأنه وإن حرم علينا ما ذكر تحريمه من النساء فقد أباح لنا غيرهن من سائر النساء تارة بنكاح وتارة بملك يمين ، وكذلك سائر المحرمات قد أباح لنا من جنسها أضعاف ما حظر فجعل لنا مندوحة عن الحرام بما أباح من الحلال . جئتكم بالحنيفية السمحة
وعلى هذا المعنى ما روي عن : " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم " يعني أنه لم يقتصر بالشفاء على المحرمات بل جعل لنا مندوحة وغنى عن المحرمات بما أباحه لنا من الأغذية والأدوية حتى لا يضرنا فقد ما حرم في أمور دنيانا . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود . وهذه الآيات يحتج بها في أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ، وفيه الدلالة على بطلان مذهب المصير إلى التخفيف فيما اختلف فيه الفقهاء وسوغوا فيه الاجتهاد المجبرة في قولهم إن الله يكلف العباد ما لا يطيقون ؛ لإخباره بأنه يريد التخفيف عنا ، غاية التثقيل ، والله أعلم بمعاني كتابه . وتكليف ما لا يطاق