وأما قوله تعالى : إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم اقتضى إباحة سائر . والتجارة اسم واقع على عقود المعاوضات [ ص: 129 ] المقصود بها طلب الأرباح قال الله تعالى : التجارات الواقعة عن تراض هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله فسمى الإيمان تجارة على وجه المجاز تشبيها بالتجارات المقصود بها الأرباح .
وقال تعالى : يرجون تجارة لن تبور كما سمى بذل النفوس لجهاد أعداء الله تعالى شرى ، قال الله تعالى : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فسمى بذل النفوس شراء على وجه المجاز . وقال الله تعالى : ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون فسمى ذلك بيعا وشراء على وجه المجاز تشبيها بعقود الأشربة والبياعات التي تحصل بها الأعواض .
كذلك سمى الإيمان بالله تعالى تجارة لما استحق به من الثواب الجزيل والأبدال الجسيمة ، فتدخل في قوله تعالى : إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم عقود البياعات والإجارات والهبات المشروطة فيها الأعواض ؛ لأن المبتغى في جميع ذلك في عادات الناس تحصيل الأعواض لا غير .
ولا يسمى النكاح تجارة في العرف والعادة ، إذ ليس المبتغى منه في الأكثر الأعم تحصيل العوض الذي هو مهر ، وإنما المبتغى فيه أحوال الزوج من الصلاح والعقل والدين والشرف والجاه ونحو ذلك ، فلم يسم تجارة لهذا المعنى ؛ وكذلك الخلع والعتق على مال ليس يكاد يسمى شيء من ذلك تجارة .
ولما ذكرنا من اختصاص اسم التجارة بما وصفنا ، قال أبو حنيفة : " إن المأذون له في التجارة لا يزوج أمته وعبده ولا يكاتب ولا يعتق على مال ولا يتزوج هو أيضا وإن كانت أمة لا تزوج نفسها ؛ لأن تصرفه مقصور على التجارة وليست هذه العقود من التجارة " ؛ وقالوا : " إنه يؤاجر نفسه وعبيده وما في يده من أموال التجارة ؛ إذ كانت الإجارة من التجارة " ؛ وكذلك قالوا في المضارب وشريك العنان ؛ لأن تصرفهما مقصور على التجارة دون غيرها . ومحمد
ولم يختلف الناس أن البيوع من التجارات .