قوله تعالى : فتحرير رقبة مؤمنة قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد والأوزاعي : " يجزي في والشافعي الصبي إذا كان أحد أبويه مسلما " وهو قول كفارة القتل . عطاء
وروي عن ابن عباس والحسن وإبراهيم : " لا يجزي إلا من صام وصلى " . ولم يختلفوا في جوازه في والشعبي . ويدل على صحة القول الأول قوله تعالى : رقبة [ ص: 198 ] الظهار فتحرير رقبة مؤمنة وهذه رقبة مؤمنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : فأثبت له حكم الفطرة عند الولادة ، فوجب جوازه بإطلاق اللفظ . كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه
ويدل عليه أن قوله تعالى : ومن قتل مؤمنا خطأ منتظم للصبي كما يتناول الكبير ، فوجب أن يتناوله عموم قوله تعالى : فتحرير رقبة مؤمنة ولم يشرط الله عليها الصيام والصلاة فلا تجوز الزيادة فيه ؛ لأن الزيادة في النص موجب النسخ ؛ ولو أن كان مجزيا عن الكفارة لحصول اسم الإيمان ، فكذلك الصبي إذا كان داخلا في إطلاق اسم الإيمان . عبدا أسلم فأعتقه مولاه عن كفارته قبل حضور وقت الصلاة والصيام
فإن قيل : العبد المعتق بعد إسلامه لا يجزي إلا أن يكون قد صام وصلى .
قيل له : لا يختلف المسلمون في إطلاق اسم الإيمان على العبد الذي أسلم قبل حضور وقت الصلاة أو الصوم ، فمن أين شرطت مع الإيمان فعل الصلاة والصوم والله سبحانه لم يشرطهما ؟ ولم زدت في الآية ما ليس فيها وحظرت ما أباحته من غير نص يوجب ذلك وفيه إيجاب نسخ القرآن ؟ وأيضا لما كان حكم الصبي حكم الرجل في باب التوارث والصلاة عليه ووجوب الدية على قاتله ، وجب أن يكون حكمه حكمه في جوازه عن الكفارة ، إذ كانت رقبة تامة لها حكم الإيمان .
فإن قيل : قوله تعالى : فتحرير رقبة مؤمنة يقتضي حقيقة رقبة بالغة معتقدة للإيمان لا من لها حكم الإيمان من غير اعتقاد ، ولا خلاف مع ذلك أيضا أن الرقبة التي هذه صفتها مرادة بالآية ؛ فلا يدخل فيها من لا تلحقه هذه السمة إلا على وجه المجاز وهو الطفل الذي لا اعتقاد له . قيل له : لا خلاف بين السلف أن غير البالغ جائز في كفارة الخطإ إذا كان قد صام وصلى ، ولم يشرط أحد وجود الإيمان منه حقيقة ألا ترى أن من له سبع سنين مأمور بالصلاة على وجه التعليم وليس له اعتقاد صحيح للإيمان ؟ فثبت بذلك سقوط اعتبار وجود حقيقة الإيمان للرقبة ؛ ولما ثبت ذلك باتفاق السلف علمنا أن الاعتبار فيه بمن لحقته سمة الإيمان على أي وجه سمي ، والصبي بهذه الصفة إذا كان أحد أبويه مسلما ، فوجب جوازه عن الكفارة .
تصح البراءة ما لم يردها المبرأ .
قوله تعالى : إلا أن يصدقوا قال : يعني والله أعلم إلا أن يبرئ أولياء القتيل من الدية ؛ فسمي الإبراء منها صدقة . وفيه دليل على أن أبو بكر " أن ذلك براءة صحيحة وأنه لا يحتاج في صحة هذه البراءة إلى [ ص: 199 ] قبول المبرأ منه ؛ ولذلك قال أصحابنا : إن البراءة واقعة ما لم يردها المبرأ منه . وقال من كان له على آخر دين فقال : " قد تصدقت به عليك : " لا يبرئ الغريم من الدين إلا أن يقبل البراءة وكذلك الصدقة " وجعله بمنزلة هبة الأعيان . زفر
وظاهر الآية يدل على صحة قول أصحابنا لأنه لم يشرط القبول ولأن الدين حق فيصح إسقاطه كالعفو عن دم العمد والعتق ولا يحتاج إلى قبول وقال أصحابنا : " من الدين عاد الدين " وقال غيرهم : " لا يعود " وجعلوه كالعتق والعفو عن دم العمد . والدليل على صحة قولنا أن إذا رد المبرأ منه البراءة ألا ترى أنه لو صالحه على ثوب برئ فإن هلك الثوب قبل القبض بطلت البراءة وعاد الدين ؟ والعتق والعفو عن الدم لا ينفسخان بحال . البراءة من الدين يلحقها الفسخ
ويدل أيضا على وقوع البراءة من الدين بلفظ التمليك أن الصدقة من ألفاظ التمليك ، وقد حكم بصحة البراءة بها ، وأنه ليس بمنزلة الأعيان إذا ملكها غيره بلفظ الإبراء ، فلا يملك ، مثل أن يقول : " قد أبرأتك من هذا العبد " فلا يملكه وإن قبل البراءة ، وإذا قال : " قد تصدقت بما لي عليك من الدين ، أو قد وهبت لك ما لي عليك " صحت البراءة . ويدل على ذلك أن من له على غيره دين وهو غني فقال : " قد تصدقت به عليك " برئ منه ؛ لأن الله تعالى لم يفرق بين الغني والفقير في ذلك . ويدل على أن الأهل يعبر به عن الأولياء والورثة ؛ لأن قوله فدية مسلمة إلى أهله معناه : إلى ورثته .
وقال محمد بن الحسن : " إن القياس أن يكون ذلك لزوجاته ، إلا أني قد تركت القياس وجعلته لكل من كان في عياله " قال فيمن أوصى لأهل فلان : الأهل اسم يقع على الزوجة وعلى جميع من يشتمل عليه منزله وعلى أتباع الرجل وأشياعه ، قال الله تعالى : أبو بكر إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك فكان ذلك على جميع أهل منزله من أولاده وغيرهم ، وقال : فنجيناه وأهله أجمعين ويقع على من اتبعه في دينه كقوله : ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم فسمى أتباعه في دينه أهله ؛ وقال في ابنه : إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فاسم الأهل يقع على معاني مختلفة ، وقد يطلق اسم الأهل ويراد به الآل وهو قراباته من قبل الأب ، كما يقال آل النبي وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم " وهما سواء