قوله تعالى : فتحرير رقبة مؤمنة جعل الله من الإيمان ، ولا خلاف أنها لا تجزي إلا بهذه الصفة ، وهذا يدل على أنه عتق الرقبة المؤمنة أفضل من الكافرة ؛ لأن هذه الصفة قد صارت شرطا في الفرض ، وكذلك من نذر أن يعتق رقبة مؤمنة لم تجزه الكافرة لأنه أوجبها مقرونة بصفة هي قربة وفي ذلك دليل على أن الصدقة على المسلمين أفضل منها على الكفار الذميين وإن كانت تطوعا ، وكذلك جعل الله صفة رقبة القتل صفة زائدة ، ولا خلاف أنه لا يجزي إلا بهذه الصفة مع الإمكان ؛ وكذلك قال أصحابنا فيمن أوجب صوم شهر متتابع أنه لا يجزيه التفريق لإيجابه إياه بصفة هي قربة ، فوجبت حين أوجبها كما وجب المنذور من الصوم . قوله تعالى : التتابع في صوم كفارة القتل فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين قال : لم يختلف الفقهاء أنه أبو بكر أنه لا يعتبر فيه النقصان ، وأنها إن كانت ناقصة أو تامة أجزأته ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا صام بالأهلة ، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين وإن ابتدأ صيام الشهرين من بعض الشهر فأمر باعتبار الشهور بالأهلة وأمر عند عدم الرؤية باعتبار الثلاثين ؛ ، وهو قول اعتبر الشهر الثاني بالهلال وبقية الشهر الأول بالعدد تمام ثلاثين أبي حنيفة وأبي يوسف . ومحمد
وروى عن أبو يوسف أنه لا يعتبر الأهلة إلا أن يكون ابتداء صومه بالهلال ، وروي نحوه عن أبي حنيفة . والأول أصح ؛ لأنه قد روي في معنى قوله : الحسن البصري فسيحوا في الأرض أربعة أشهر أنها بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وربيع الأول وبقية من ربيع الآخر ، فاعتبر الكسر بالأيام على التمام وسائر الشهور بالأهلة ؛ وقوله : فصيام شهرين متتابعين معلوم أنه كلفنا ، وفي العادة أن المرأة لا تخلو من حيض في كل شهر ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 223 ] التتابع على حسب الإمكان لحمنة بنت جحش : ، فأخبر أن عادة النساء حيضة في كل شهر ؛ فإذا كان تكليف صوم التتابع على حسب الإمكان وكانت المرأة إذا كان عليها صوم شهرين متتابعين لم يكن في وسعها في العادة أن تصوم شهرين لا حيض فيهما سقط حكم أيام الحيض ولم يقطع حكم التتابع وصارت أيام الحيض بمنزلة الليل الذي لا يقطع التتابع ؛ وهو قول تحيضي في علم الله ستا أو سبعا كما تحيض النساء في كل شهر ، وروي عن الشافعي إبراهيم أنها تستقبل .
وقال أصحابنا : " إذا مرض في الشهرين فأفطر استقبل " وقال : " يصل ويجزيه " وفرقوا بين الحيض والمرض لأنه يمكنه في العادة صيام شهرين متتابعين بلا مرض ولا يمكنها ذلك بلا حيض . ووجه آخر ، وهو أن حدوث المرض لا يوجب الإفطار بل الإفطار بفعله ، والحيض ينافي الصوم لا بفعلها ، فأشبه الليل ولم يقطع التتابع . مالك
قوله تعالى توبة من الله قيل فيه : إن معناه اعملوا بما أوجبه الله للتوبة من الله ؛ أي ليقبل الله توبتكم فيما اقترفتموه من ذنوبكم . وقيل إنه خاص في سبب القتل ، فأمر بالتوبة منه . وقيل معناه توسعة ورحمة من الله ، كما قال : فتاب عليكم وعفا عنكم والمعنى : وسع عليكم وسهل عليكم .