وقال مالك والحسن بن صالح والليث : ( أيهما نكل حد ، إن نكل الرجل حد للقذف وإن نكلت هي حدت للزنا ) . والشافعي
وروى معاذ بن معاذ عن أشعث عن في الرجل يلاعن وتأبى المرأة قال : ( تحبس ) . الحسن
وعن مكحول والضحاك : ( إذا لاعن وأبت أن تلاعن رجمت ) . قال والشعبي : قال الله تعالى : أبو بكر واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم وقال : ثم لم يأتوا بأربعة شهداء وقال النبي صلى الله عليه وسلم لهلال بن أمية حين قذف امرأته بشريك ابن سحماء : ائتني بأربعة شهداء وإلا فحد في ظهرك ورد النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا والغامدية كل واحد منهما حتى أقر أربع مرات بالزنا ثم رجمهما ؛ فثبت أنه لا يجوز إيجاب الحد عليها بترك اللعان لأنه ليس ببينة ولا إقرار ؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ، فنفى وجوب القتل إلا بما ذكر ، لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى [ ص: 148 ] ثلاث زنا بعد إحصان وكفر بعد إيمان وقتل نفس بغير نفس خارج عن ذلك فلا يجب رجمها ، وإذا لم يجب الرجم إذا كانت محصنة لم يجب الجلد في غير المحصن لأن أحدا لم يفرق بينهما . والنكول عن اللعان
فإن قيل : ( امرئ مسلم ) إنما يتناول الرجل دون المرأة قيل له : ليس كذلك ؛ لأنه لا خلاف أن المرأة مرادة بذلك وأن هذا الحكم عام فيهما جميعا ، وأيضا فإن ذلك للجنس كقوله : إن امرؤ هلك ليس له ولد وقوله : يوم يفر المرء من أخيه
وأيضا لا خلاف أن الدم لا يستحق بالنكول في سائر الدعاوى ، وكذلك سائر الحدود ، فكان في اللعان أولى أن لا يستحق فإن قيل : لما قال تعالى : وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين وهو يعني حد الزنا ، ثم قال : ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله فعرفه بالألف واللام ، علمنا أن المراد هو العذاب المذكور في قوله : وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين
قيل له : ليست هذه قصة واحدة ولا حكما واحدا حتى يلزم فيه ما قلت ؛ لأن أول السورة إنما هي في بيان حكم الزانيين ثم حكم القاذف ، وقد كان ذلك حكما ثابتا في قاذف الزوجات والأجنبيات جاريا على عمومه إلى أن نسخ عن قاذف الزوجات باللعان ، وليس في ذكره العذاب وهو يريد به حد الزنا في موضع ثم ذكر العذاب بالألف واللام في غيره ما يوجبه أن العذاب المذكور في لعان الزوجين هو المذكور في الزانيين ؛ إذ ليس يختص العذاب بالحد دون غيره .
وقد قال الله تعالى : إلا أن يسجن أو عذاب أليم ولم يرد به الحد ، وقال : لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه ولم يرد الحد ، وقال : ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا ولم يرد به الحد ، وقال عبيد بن الأبرص :
والمرء ما عاش في تكذيب طول الحياة له تعذيب
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : فإذا كان اسم العذاب لا يختص بنوع من الإيلام دون غيره ، ومعلوم أنه لم يرد به جميع سائر ضروب العذاب عليه ، لم يخل اللفظ من أحد معنيين : السفر قطعة من العذابإما أن يريد به الجنس فيكون على أدنى ما يسمى عذابا أي ضرب منه كان ، أو مجملا مفتقرا إلى البيان ؛ إذ غير جائز أن يكون المراد معهودا لأن المعهود هو ما تقدم ذكره في الخطاب فيرجع الكلام إليه ؛ إذ كان معناه متقررا عند المخاطبين وأن المراد عوده إليه ، فلما لم يكن في ذكر قذف الزوج وإيجاب اللعان ما يوجب استحقاق الحد على المرأة لم يجز أن يكون هو المراد بالعذاب ، وإذا كان ذلك كذلك وكانت الأيمان قد تكون حقا للمدعي [ ص: 149 ] حتى يحبس من أجل النكول عنها وهي القسامة متى نكلوا عن الأيمان فيها حبسوا ، كذلك حبس الناكل عن اللعان أولى من إيجاب الحد عليه ؛ لأنه ليس في الأصول إيجاب الحد بالنكول وفيها إيجاب الحبس به .
وأيضا فإن النكول ينقسم إلى أحد معنيين : إما بدل لما استحلف عليه ، وإما قائم مقام الإقرار ؛ وبدل الحدود لا يصح وما قام مقام الغير لا يجوز إيجاب الحد به ، كالشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي وشهادة النساء مع الرجال وأيضا فإن النكول لما لم يكن صريح الإقرار لم يجز إثبات الحد به ، كالتعريض وكاللفظ المحتمل للزنا ولغيره فلا يجب به الحد على المقر ولا على القاذف . فإن قيل : في حديث وغيره في قصة ابن عباس هلال بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما لاعن بينهما وعظ المرأة وذكرها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وكذلك الرجل ، ومعلوم أنه أراد بعذاب الدنيا حد الزنا أو القذف قيل له : هذا غلط ؛ لأنه لا يخلو من أن يكون مراده بعذاب الدنيا الحبس أو الحد إذا أقر ، فإن كان المراد الحبس فهو عند النكول ، وإن أراد الحد فهو عند إقرارها بما يوجب الحد وإكذاب الزوج لنفسه ، فلا دلالة له فيه على أن النكول يوجب الحد دون الحبس فإن قيل : إنما يجب عليها الحد بالنكول وأيمان الزوج ، وكذلك يجب عليه بنكوله وأيمان المرأة .
قيل له : النكول والأيمان لا يجوز أن يستحق به الحد ، ألا ترى أن من أنه لا يستحلف ولا يستحق المدعي الحد بنكول المدعى عليه ولا بيمينه ؟ وكذلك سائر الحدود ، ولا يستحلف فيها ولا يحكم فيها بالنكول ولا برد اليمين . ادعى على رجل قذفا