قوله تعالى : والخيل والبغال والحمير لتركبوها روى هشام الدستوائي عن عن يحيى بن أبي كثير عن نافع أن علقمة كان ابن عباس ، وكان يقول في يكره لحوم الخيل والبغال والحمير والأنعام خلقها لكم إن هذه للأكل وهذه للركوب والخيل والبغال والحمير لتركبوها وروى عن أبو حنيفة الهيثم عن عن عكرمة أنه كره لحوم الخيل وتأول : ابن عباس والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة قال : فهذا دليل ظاهر على حظر لحومها وذلك لأن الله تعالى ذكر الأنعام وعظم منافعها ، فذكر منها الأكل بقوله تعالى : أبو بكر والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ثم ذكر الخيل والبغال والحمير وذكر منافعها الركوب والزينة ، فلو كان الأكل من منافعها وهو من أعظم المنافع لذكره كما ذكره من . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أخبار متضادة في الإباحة والحظر ، فروى منافع الأنعام عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير أبي سلمة عن قال : جابر خيبر أصاب الناس مجاعة ، فذبحوها ، فحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الإنسية ولحوم الخيل والبغال وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير ، وحرم الخلسة والنهبة . وروى لما كان يوم عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال : جابر بن عبد الله ، ولم يسمع أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر هذا الحديث من عمرو بن دينار وذلك لأن جابر رواه عن ابن جريج عن رجل عن عمرو بن دينار ، جابر لم يشهد وجابر خيبر لأن روى عن محمد بن إسحاق سلام بن كركرة عن عن عمرو بن دينار ، ولم يشهد جابر جابر خيبر وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر وأذن لهم في لحوم الخيل فوردت أخبار في ذلك متعارضة ، فجائز حينئذ أن يقال فيها وجهان : جابر
أحدهما : أنه إذا ورد [ ص: 3 ] خبران أحدهما حاظر والآخر مبيح فالحظر أولى ، فجائز أن يكون الشارع أباحه في وقت ثم حظره وذلك لأن الأصل كان الإباحة والحظر طارئ عليها لا محالة ، ولا نعلم إباحة بعد الحظر ، فحكم الحظر ثابت لا محالة ؛ إذ لم تثبت إباحة بعد الحظر . وقد روي عن جماعة من السلف هذا المعنى وذلك لأن روى عن ابن وهب قال : خسفت الشمس بعد العصر ونحن الليث بن سعد بمكة سنة ثلاث عشرة ومائة ، وبها يومئذ رجال من أهل العلم كثير منهم ابن شهاب وأبو بكر بن حزم وقتادة ، قال : فقمنا قياما بعد العصر ندعو الله ، فقلت وعمرو بن شعيب لأيوب بن موسى القرشي : ما لهم لا يصلون وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : النهي قد جاء في الصلاة بعد العصر أن لا تصلي ، فلذلك لا يصلون ، وإن النهي يقطع الأمر فهذا أحد الوجهين في حديث . جابر
والوجه الآخر : أن يتعارض خبرا فيسقطا كأنهما لم يردا ، وقد روى جابر إسرائيل بن يونس عن عبد الكريم الجزري عن عن عطاء بن أبي رباح قال : كنا نأكل لحوم الخيل ، قال جابر : فقلت له : فالبغال ؟ قال : أما البغال فلا . عطاء
وروى عن هشام بن عروة فاطمة بنت المنذر عن أسماء ابنة أبي بكر قالت : " نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه " . وهذا لا حجة فيه للمخالف لأنه ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم به وأقرهم عليه ، ولو ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم علم به وأقرهم عليه كان محمولا على أنه كان قبل الحظر . وقد روى عن بقية بن الوليد ثور بن يزيد عن صالح بن يحيى بن المقدام عن أبيه عن جده عن : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد . وقال نهى عن لحوم الخيل : ما علمنا الخيل أكلت إلا في حصار . وقال الزهري أبو يوسف ومحمد : " لا بأس بلحوم الخيل " وروي نحوه عن والشافعي الأسود بن يزيد والحسن البصري . وشريح لا يطلق فيه التحريم وليس هو عنده كلحم الحمار الأهلي وإنما يكرهه لتعارض الأخبار الحاظرة والمبيحة فيه ، ويحتج له من طريق النظر أنه ذو حافر أهلي فأشبه الحمار والبغل . ومن جهة أخرى اتفاق الجميع على أن وأبو حنيفة ، وهو من الفرس فلو كانت أمه حلالا لكان حكمه حكم أمه ؛ لأن حكم الولد حكم الأم ؛ إذ هو كبعضها ، ألا ترى أن لحم البغل لا يؤكل ، ولو ولدت حمارة وحشية من حمار أهلي أكل ولدها ؟ فكان الولد تابعا لأمه دون أبيه ، فلما كان لحم البغل غير مأكول وإن كانت أمه فرسا دل ذلك على أن الخيل غير مأكولة . حمارة أهلية لو ولدت من حمار وحشي لم يؤكل ولدها