قوله تعالى: أنفقوا من طيبات ما كسبتم (267):
يعم الفرض والنفل من طريق الندب والوجوب، وإن كان الأمر أظهر في جهة الوجوب إلا أن تقوم دلالة الندب.
فمن هذا الوجه يظهر أن يقال: هو أولى بالواجب.
ومن جهة أخرى: وهو أن في النفل أداء القليل والكثير والجيد والرديء.
وقوله: ولستم بآخذيه يؤكد الاختصاص بالواجب، فإن هذا الكلام إنما يذكر في الديون إذا اقتضاها طالبها، ولا يتسامح بالرديء عن الجيد، إلا على إغماض وتساهل . [ ص: 227 ] والرد إلى الإغماض في اقتضاء الدين يدل على أن ذلك وارد في قضاء دين الله تعالى، وأن الجنس الرديء، إذا لم يخف عليكم، فكيف يخفى علي؟ ..
وقد احتج قوم بقوله: لأبي حنيفة ومما أخرجنا لكم من الأرض (267)أن ذلك عموم في قليل ما تخرجه الأرض وكثيره وفي سائر الأصناف، ورأوا ظاهر الأمر للوجوب، وهذا بعيد.
فإن المراد به: بيان الجهات التي تعلق حق الله تعالى بها، وليس ذكر مقدار ما وجب فيه الحق مقصودا، ولا بيان ما لا زكاة فيه، ولذلك لم يتعرض للنصاب في كل ما يعتبر فيه النصاب شرعا، ولم يذكر من جنس ما يكتسب ما تتعلق الزكاة به، وإن لم تتعلق الزكاة بكل ما يكتسب، وهذا بين في خروج الآية عن الدلالة على مقصودهم.