أو تقولوا أي: لو لم نرسل إليهم الرسل إنما أشرك آباؤنا من قبل أي: من قبل أن نوجد [ ص: 154 ] وكنا ذرية من بعدهم فلم نعرف لنا مربيا غيرهم فكنا لهم تبعا فشغلنا اتباعهم عن النظر ولم يأتنا رسول منبه، فيتسبب عن ذلك إنكارهم في قولهم: أفتهلكنا بما فعل المبطلون أي: من آبائنا; قال أبو حيان : والمعنى أن الكفرة لو لم يؤخذ عليهم عهد ولا جاءهم رسول بما تضمنه العهد من لكانت لهم حجتان: إحداهما: "كنا غافلين" والأخرى: "كنا تبعا لأسلافنا" فكيف والذنب إنما هو لمن طرق لنا وأضلنا - انتهى. توحيد الله وعبادته
ومما يؤيد معنى التمثيل حديث في الصحيح: أنس آدم أن لا تشرك شيئا، فأبيت إلا الشرك" وذلك لأن التصريح بالآباء ينافي كون الإقرار على حقيقته، والأخذ وهو في الصلب إنما هو بنصب الأدلة وتقرير الحق على وجه مهيئ للاستدلال بتركيب العقل على القانون الموصل إلى المقصود عند التخلي من الحظوظ والشوائب، وهذا الذي وقع تأويل الآية به لا يعارضه حديث الاستنطاق في عالم الذر على تقدير صحته؛ فإنه روي من طرق كثيرة جدا ذكرتها في كتابي: سر الروح، منها في الموطأ ومسند "يقول الله لأهون أهل النار عذابا: لو أن لك ما في الأرض من شيء كنت تفتدي به؟ قال: نعم، قال: فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب أحمد وإسحاق بن راهويه ومحمد بن نصر المروزي ومستدرك وأبي يعلى الموصلي وكتاب المائتين الحاكم لأبي عثمان [ ص: 155 ] الصابوني عن صحابة وتابعين مرفوعا وموقوفا، منهم عمر وأبي بن كعب وأبو هريرة وحكيم بن حزام وعبد الله بن سلام وعبد الله بن عمرو وابن عباس رضي الله عنهم، وعن وابن مسعود محمد بن كعب وعطاء بن يسار وسعيد بن المسيب رحمهم الله، وإنما كان لا يعارضه لأن في بعض طرقه عن وأبي العالية رضي الله عنه أنه سبحانه قال بعد أن استنطقهم: "فإني أشهد عليكم السماوات السبع والأرضين السبع، وأشهد عليكم أباكم أبي بن كعب آدم أن تقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين، فلا تشركوا بي شيئا، فإني أرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي، فقالوا: نشهد أنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك" فالاستنطاق في الحديث على بابه، عبرة لأبينا آدم عليه السلام ومن حضر ذلك من الخلق، وإيقافا لهم على بديع قدرته وعظيم علمه، وإشهاد ما أشهد من المخلوقات بمعنى أنه نصب فيها من الأدلة ما يكون إقامة الحجة به عليهم بالنقض إن أشركوا كشهادة الشاهد الذي لا يرد، وليس في شيء من الروايات ما ينافي هذا; والحاصل أنه أخذ علينا عهدان: أحدهما حالي تهدى إليه العقول، وهو نصب الأدلة، والآخر مقالي أخبرت به الرسل، كل ذلك للإعلام بمزيد الاعتناء بهذا النوع البشري لما له من الشرف الكريم ويراد به من [ ص: 156 ] الأمر العظيم. والله الموفق.