ولما كان التقدير : فمن يرغب في مخالفة من يرسله من هو بهذه الصفة عطف عليه قوله : ومن يرغب عن ملة إبراهيم المستقيم الطريقة ، الطاهر الخليقة ، الشفيق على ذريته ، الباني لهم أعظم المفاخر ، المجتهد لهم في جليل المناقب والمآثر إلا من سفه نفسه أي : امتهنها واحتقرها واستخف بها ، أي : فعل بها ما أدى إلى ذلك ; وفي ذلك تعريض بمعاندي أهل الكتاب . قال : والسفاهة خفة الرأي : في مقابلة ما يراد منه من المتانة والقوة ، وفي نصب النفس إنباء بلحاق السفاهة بكلية ذي النفس ، لأن من سفهت نفسه اختص السفه بها ، ومن سفه نفسه - بالنصب - استغرقت السفاهة ذاته وكليته وكان بدء ذلك وعاديته من جهة نفسه ، يفهم ذلك نصبها ، وذلك لأن الله عز وجل جعل النفس مبدأ كل شر أبداه في ذات ذي النفس ، فإنه تعالى يعطي الخير بواسطة وبغير واسطة ، ولا يحذى الشر إلا بواسطة نفس ليكون في ذلك حجة الله على خلقه ; وإنما استحق السفاهة من يرغب عن ملة الحرالي إبراهيم لظهور شاهدها في العقل وعظيم بركتها في التجربة ، لأن من ألقى [ ص: 164 ] بيده لم يؤاخذ في كل مرتبة من رتب الدنيا والآخرة ، فلا عذر لمن رغب عن ذلك ، لظهوره في شاهدي العقل والحس اللذين هما أظهر حجج الله على خلقه وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه
ولما كان التقدير : فلقد آتيناه من المزايا ما قدمنا لكم مما لا يعدل عنه ذو مسكة عطف عليه قوله : ولقد اصطفيناه فذكره بمظهر العظمة تعظيما له ، فإن العبد يشرف بشرف سيده ، وتشريفا لاصطفائه فإن الصنعة تجل بجلالة مبدعها في الدنيا بما ذكرناه من كريم المآثر التي يجمعها إسلامه ; وهو افتعال من الصفوة وهي ما خلص من اللطيف عن كثيفه ومكدره ، وفي صيغة الافتعال من الدلالة على التعمد والقصد ما يزيد فيما أشير إليه من الشرف وإنه في الآخرة لمن الصالحين وفي هذا أكبر تفخيم لرتبة الصلاح حيث جعله من [ ص: 165 ] المتصفين بها ، فهو حقيق بالإمامة لعلو رتبته عند الله في الدارين ، ففي ذلك أعظم ترغيب في اتباع دينه والاهتداء بهديه ، وأشد ذم لمن خالفه ; وكل ذلك تذكير لأهل الكتاب بما عندهم من العلم بأمر هذا النبي الكريم وما هو سبب له ، وإقامة للحجة عليهم ، لأن أكثر ذلك معطوف على " اذكروا " قوله :
يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي