ولما ختم بالأمر بالشكر ومجانبة الكفر وكان ذلك رأس العبادة وفاعله شديد الافتقار إلى المعونة التفت إلى قوله تعالى في أم الكتاب : الآيات الآمرة باستقبال البيت في الصلاة إياك نعبد وإياك نستعين فأمرهم بما تضمن ذلك من الصبر والصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر عالما بأنهم سيمتثلون حيث عصى بنو إسرائيل حين أمرهم بمثل ذلك في أول قصصهم بقوله : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين إلى أن قال : واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين فكان في ذلك إشارة إلى أنهم [هم ] الخاشعون وحسن موقع هذه الآية كونها بعد أذى أهل الكتاب بنسبهم لهم إلى بطلان الدين بتغيير الأحكام ونحو ذلك من [ ص: 246 ] [مر ] الكلام كما في الآية الأخرى ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور وكونها عقب الأمر بالذكر والشكر إيماء إلى أن ملاك كل منهما الصبر والصلاة فكأنه قيل : لا تلتفتوا إلى طعن الطاعنين في أمر القبلة فيشغلكم ذلك عن ذكري وشكري بل اصبروا وصلوا إلي متوجهين إلى القبلة التي أمرتكم بها عالمين أن الصبر والصلاة نعم العون على كل ما ينوب من دين ودنيا ، وأرشق من هذا أن يقال : ولما علم من هذه الآيات إعضال ما بينهم وبين السفهاء وأمرهم بالدواء المنجح من الإعراض عنهم والإقبال على ذكره وشكره أتبع ذلك للإشارة إلى أن الأمر يصل [إلى ] أشد مما توهموه فقال : يا أيها الذين آمنوا مخاطبا لهم على وجه [ ص: 247 ] يشمل الكامل صلى الله عليه وسلم ولعله صرف الخطاب عنه لما في السياق مما يحمي عنه صلى الله عليه وسلم مقامه العالي استعينوا بالصبر أي : على ما تلقون منهم وعلى الإقبال إلي لأكفيكم كل مهم والصلاة فإنها أكبر معين لأنها أجمع العبادات ، فمن أقبل بها على مولاه حاطه وكفاه لإعراضه عن كل ما سواه ، لأن ذلك شأن كل كبير فيمن أقبل بكليته عليه .
ولما كانت الصلاة لا تقوم إلا بالصبر اقتصر على التعليل به فقال : إن الله أي : الذي له الكمال كله مع الصابرين أي : ومعلوم أن من كان الله سبحانه وتعالى معه فاز . قال : وأيسر الصبر صبر النفس عن كسلها بأخذها بالنشاط فيما كلفت به الحرالي لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها و لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فمتى يسر الله سبحانه وتعالى عليها الجد والعزيمة جعل لها فيما كانت تصبر عليه في الابتداء الاستحلاء فيه وخفت عنها وظيفة الصبر ، ومتى لم تصبر عن كسلها وعلى جدها تدنست فنالها عقوبات يكون الصبر عليها أشد [ ص: 248 ] من الصبر الأول ، كما أن [من ] صبر عن حلو الطعام لم يحتج أن يصبر على مر الدواء ، فإن تحملت الصبر على عقوبات ضياع الصبر الأول تداركها نجاة من اشتداد العقوبة عليها ، وإن لم تتصبر على تلك العقوبات وقعت في مهالك شدائد العذاب فقيل لأهلها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم ثم قال : فبداية الدين صبر وخاتمته يسر ، فإن من كان الله سبحانه وتعالى معه رفع عنه مرارة الصبر بوضع حلاوة الصحبة التي تشعر بها كلمة [مع ] . انتهى .