فلما تم ما أراد من آيتي السماء؛ والأرض؛ وختمه بشمول قدرته لكل شيء؛ أتبعه ما ينشأ عنهما مما هو بينهما مودعا في خزائن قدرته؛ فقال: وأرسلنا ؛ أي: بما لنا من التصريف الباهر؛ الرياح ؛ جمع "ريح"؛ وهي جسم لطيف؛ منبث في الجو؛ سريع المر؛ لواقح ؛ أي: حوامل؛ تحمل الندى؛ ثم تمجه في السحاب التي تنشئها؛ فهي حوامل للماء؛ لواحق بالجو؛ قوته على ذلك عالية حسا؛ ومعنى; و"الريح": هواء متحرك؛ وحركته بعد أن كان ساكنا لا بد لها من سبب؛ وليس هو نفس كونه هواء؛ ولا شيئا من لوازم ذاته؛ وإلا دامت حركته؛ [ ص: 37 ] فليست إلا بتحريك الفاعل الواحد المختار؛ فأنـزلنا ؛ أي: بعظمتنا؛ بسبب تلك السحائب التي حملتها الرياح؛ من السماء ؛ أي: الحقيقية؛ أو جهتها؛ أو السحاب؛ لأن الأسباب المتراقية بسند الشيء تارة إلى القريب منها؛ وتارة إلى البعيد؛ وأخرى إلى الأبعد؛ ماء ؛ وهو جسم مائع سيال؛ به حياة كل حيوان من شأنه الاغتذاء؛ فأسقيناكموه ؛ جعلناه لكم سقيا؛ يقال: "سقيته ماء"؛ أي: ليشربه؛ و"أسقيته"؛ أي: مكنته منه ليسقي به ماشيته؛ ومن يريد؛ ونفى - سبحانه - عن غيره ما أثبته أولا لنفسه؛ فقال وما أنتم له ؛ أي: ذلك الماء؛ بخازنين ؛ و"الخزن": وضع الشيء في مكان مهيإ للحفظ؛ فثبت أن القادر عليه واحد مختار.
ومادة "لقح"؛ بتقاليبها الست؛ تدور على اللحاق؛ وتلزمه القوة؛ والعلو؛ حسا؛ أو معنى؛ فـ "اللقاح": اسم ماء الفحل؛ لأنه يلحق الأنثى فتحمله؛ و"قد ألقح الفحل الناقة"؛ و"لقحت لقاحا": حملت؛ و"الملقوح": ما لقحته من الفحل؛ أي: أخذته؛ وهي الملاقيح؛ يعني: الأجنة؛ [ ص: 38 ] و"اللقحة": الناقة الحلوب؛ لأنها أهل لأن يلحقها جائع؛ و"ألقح القوم النخل"؛ و"لقحوها"؛ إذا ألحقوها بالفحالة؛ فعلقوها عليها.
و"القاحل": اليابس من الجلود؛ لأن أجزاءه تلاحق بعضها ببعض؛ فضمرت؛ ومنه "شيخ قاحل"؛ و"اللحق": كل شيء لحق شيئا؛ أي: أدركه؛ و"الملحق": الدعي؛ لأنه متهيئ لأنه يستلحقه كل من يريده؛ و"الملحاق": الناقة التي لا يفوتها الإبل: قال الزبيدي في "مختصر العين": وفي القنوت: "إن عذابك بالكفار ملحق"؛ بالكسر؛ أي: لاحق؛ لغة.
و"الحقل": القراح الطيب؛ لتهيئها لمن يلحق بها؛ وقيل: هو الزرع إذا تشعب ورقه؛ وهو من ذلك أيضا؛ ومن لحوقه بالحصاد؛ فيصير كالمحلوق؛ و"الحقيل": نبت؛ و"الحقيلة": الماء الرطب؛ أي: الأخضر من البقل؛ والشجر؛ في الأمعاء منه؛ و"الحقيلة": حشافة التمر؛ للحاق كل من أرداه به؛ و"الحوقلة": الغرمول اللين؛ كأنه مشبه بالنبت الأخضر؛ أو لإمكان تثنيه كل وقت؛ ولحوق بعض أجزائه ببعض؛ و"الحوقل": [ ص: 39 ] الشيخ الضعيف النكاح؛ كأنه منه؛ و"الحوقلة": سرعة المشي؛ و"حقل الفرس"؛ إذا وجع من أكل التراب؛ كأنه مأخوذ من "الحقل"؛ و"حوقل الشيخ": اعتمد بيديه على خصره إذا تمشى؛ كأنه للحاق يديه خصره.
و"الحلق": مساغ الطعام والشراب؛ و"حلوق الأرض": أوديتها؛ ومجاريها؛ للحاق المياه بها؛ ولشبهها بالحلوق؛ و"الحلق": حلق الشعر بالموسى؛ من اللحاق؛ والقوة؛ و"المحالق": الأكسية الخشنة التي تحلق الشعر من خشونتها؛ و"الحالق": المشؤوم؛ الذي يحلق قومه; و"الحلق": ضرب من النبات؛ لورقه حموضة؛ كأنه لسرعة لحاق الماشية به؛ لأنه كالفاكهة لها؛ و"الحلقة": الخاتم بلا فص؛ لتلاحق أجزائها بعضها ببعض؛ ومنه "حلقة القوم"؛ و"الحلقة": السلاح كله؛ إما من هذا لأن منها الدروع ذات الحلق؛ تسمية للشيء باسم جزئه؛ وإما من القوة؛ والعلو المعنوي؛ لما يلزم عنها؛ و"الحلق": المال الكثير؛ إما من ذلك؛ وإما من لحاق صاحبه بمراده؛ و"الحالق": الجبل المنيف؛ لظهوره؛ وعلوه؛ ولحاقه بالجو؛ و"الحوقلة": القارورة الطويلة العنق؛ و"حلق الطائر": ارتفع في الهواء؛ من هذا; و"اللقحة": الغراب; و"الحالق"؛ من الكرم؛ والشرى: ما تعلق منه بالقضبان؛ فهو ظاهر في اللحاق؛ و"حلق الضرع"؛ إذا ارتفع إلى البطن؛ وانضم؛ فهو من العلو؛ [ ص: 40 ] واللحاق؛ وقيل: إذا كثر لبنه فهو إذا من اللحاق؛ و"تحلق القمر": صارت حوله دارة؛ و"حلق قضيب الفرس حلقا"؛ إذا تقشر؛ كأنه شبه بما حلق شعره؛ و"حي لقاح": لم يملكوا قط؛ كأنه من القوة؛ والعلو المعنوي; و"القلح": صفرة تعلو الأسنان؛ فهو من اللحاق؛ مع العلو؛ ويسمى الجعل "أقلح"؛ من هذا.