ثم علل هذا الأمر بقوله: إن ربك ؛ أي: المحسن إليك؛ الآمر لك بهذا؛ هو [ ص: 84 ] ؛ أي: وحده؛ الخلاق ؛ المتكرر منه هذا الفعل في كل وقت؛ بمجرد الأمر؛ فلا عجب في إيجاد ما ينسب إليه من إبداع الساعة؛ أو غيرها؛ وهو لذلك عالم بأحوالكم أجمعين؛ وما يكون منها صلاحا لك؛ على غاية الحكمة؛ لأن المصور أعلم بالصورة من ناظرها؛ والمتبصر فيها؛ وصانع الشيء أدرى به من مشتريه؛ وباني البيت أخبر به من ساكنه؛ وهو الذي خلق كل ما تراه منهم؛ فهو فعله؛ فسلم له.
ولما كان إحكام المصنوعات لا يتم إلا بالعلم؛ قال (تعالى): العليم ؛ أي: البالغ العلم بكل المعلومات؛ فلا ترى أفعالهم وأقوالهم إلا منه - سبحانه - لأنه خالقها؛ وقد علمت أنه لا يضيع مثقال ذرة؛ فاعتمد عليه في أخذ حقك؛ فإنه نعم المولى؛ ونعم النصير؛ ولا يخفى عليه شيء منه; ويدل على ما قلته آية "يـس": أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم ؛ أو يقال: فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون شيئا مما أردنا من الحق؛ لأنا ما خلقنا عذابهم إلا بالحق؛ كما خلقناهم بالحق؛ فلم يمتنع علينا شيء من ذلك؛ وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ؛ أي: بسبب إقامة الحق؛ وإظهار أمرنا في العدل؛ ولولا أن سلطنا بعض الناس على بعض لم يظهر [ ص: 85 ] لهم منا هذه الصفة غاية الظهور؛ فنحن نعجل - من الحق؛ الذي خلقنا ذلك بسببه؛ على قيام الساعة - ما شئنا من الابتلاء؛ والانتقام؛ كما فعلنا بمن قصصنا أمرهم؛ ونؤخر من ذلك ما بقي إلى قيام الساعة؛ وإن الساعة لآتية ؛ لا شك فيها؛ فلا ندع هناك شيئا من الحقوق إلا أقمناه؛ فاصفح الصفح الجميل ؛ فلا بد من الأخذ لك بحقك؛ إما في الدنيا؛ وإما في الآخرة؛ إن ؛ أي: لأن ربك هو الخلاق ؛ أي: الفاعل للخلق مرة بعد مرة؛ لا تنفد قدرته؛ ولا تهن كلمته؛ العليم ؛ التام العلم؛ فهو قادر على ذلك؛ عالم بوجه الحكمة فيه؛ في وقته؛ وكيفيته؛ فهو ويؤتيك في ذلك اليوم ما يقر به عينك. يعيد الخلائق في الساعة كما بدأهم؛ ويستوفي إذ ذاك جميع الحقوق؛