ولما صار التوحيد بذلك كالشمس؛ وكان كل ما في الكون - مع أنه دال على الوحدانية - نعمة على الإنسان؛ يجب عليه شكرها؛ شرع يعدد ذلك؛ تنبيها له على وجوب الشكر بالتبرؤ من الكفر؛ فقال - مقدما الحيوانات؛ لأنها أشرف من غيرها؛ وقدم منها ما ينفع الإنسان؛ لأنه [ ص: 108 ] أجل من غيره؛ مبتدئا بما هو أولاها بالذكر؛ لأنه أجلها منفعة في ضرورات المعيشة؛ وألزمها لمن أنزل الذكر بلسانهم -: والأنعام ؛ أي: الأزواج الثمانية: الضأن؛ والمعز؛ والإبل؛ والبقر؛ خلقها ؛ غير ناطقة؛ ولا مبينة؛ مع كونها أكبر منكم خلقا؛ وأشد قوة.
ولما كان أول ما يمكن أن يلقى الإنسان عادة من نعمها اللباس؛ بدأ به؛ فقال - على طريق الاستئناف -: لكم فيها دفء ؛ أي: ما يدفأ به؛ فيكون منه حر معتدل؛ من حر البدن الكائن بالدثار؛ يمنع البرد؛ وثنى بما يعم جميع نعمها؛ التي منها اللبن؛ فقال: ومنافع ؛ ثم ثلث بالأكل؛ لكونه بعد ذلك؛ فقال (تعالى): ومنها تأكلون ؛ وقدم الظرف؛ دلالة على أن الأكل من غيرها بالنسبة إلى الأكل منها مما لا يعتد به؛